الخميس، 16 مايو 2019

التمحور حول الذات





الأنانية هي اهتمام الإنسان بنفسه بشكل مفرط وكلي وبحثه وتركيزه على مصلحته الخاصة ومسراته وثرائه دون اعتبار للآخرين.

يخلق هذا الكائن البشري الذي نطلق عليه تسمية الإنسان خير بالفطرة ولكنه سرعان ما نجده يكوِّن سلوكاً مرضياً ويبدأ بحصر نشاطاته وتفكيره بذاته وتدفعه غريزة التملك إلى الاهتمام بنفسه وذاته فقط ويسعى بكل جهده للوصول إلى تحقيق رغباته الذاتية بطرق مختلفة لا يقبلها العقل ولا المنطق ولا ما يمكن أن نسميه التكافل الاجتماعي هذا الإنسان الذي يحب ذاته لا يرى إلا نفسه ولا يهمه مصلحة الآخرين لا بقليل ولا بكثير.

ولنكن موضوعين فنقول لا مانع للإنسان أن يحرص على نفسه وأن يحقق ذاته ولكن عليه أن يعفل ذلك ضمن حدود الوسطية التي تعطيه وتعطي الآخرين، تحقق مصلحته ومصلحة الآخرين وبشكل متوازن دون إفراط أو غلو أو حرمان الآخرين من حقهم في السهر على مصلحتهم، وبمعنى آخر أن يكون هناك مشاركة بين جميع أفراد المجتمع من حيث تبادل المنافع حتى تتحقق السعادة في المجتمع.

ربما لا نبالغ إذا قلنا إن الأنانية تعمل عمل الطاعون في المجتمع وإذا بحثنا في المجتمعات عن سبب تقدمها أو تأخرها نجد أنه كلما وجد تفاعل بين أفراد المجتمع كان ذلك المجتمع متقدماً والعكس صحيح.

هنا أن موضوع الأنانية موضوع قديم حديث فقد ناقشت هذا الموضوع جميع الحضارات، ناقشه الفلاسفة وعلماء الاجتماع واتفقت الآراء جميعها على إدانة الأنانية واعتبارها أمراً مكروهاً ورذيلة يجب الابتعاد عنها لأن من يتصف بالأنانية لا يرى إلا نفسه وكأن الآخرين لا وجود ولا حقوق لهم وهذا عين الخطأ الذي يترك آثاراً سيئة على العلاقات الاجتماعية.

هناك أسطورة صينية ذات مغزى عميق تتضمن درساً أخلاقياً لمعالجة هذا المرض الخبيث. تروي الأسطورة أن الموت قد اختطف روح الابن فحزنت الأم حزناً شديداً لموت ولدها ولكنها لم تيأس وقررت أن تعيد ابنها إلى الحياة فذهبت إلى حكيم القرية وطلبت منه أن يخبرها الوصفة الضرورية لاستعادة ابنها إلى الحياة مهما كانت أو صعبت تلك الوصفة.

أخذ الشيخ الحكيم نفساً عميقاً وشرد بذهنه ثم قال: أنت تطلبين وصفة، حسناً، أحضري لي حبة خردل واحدة بشرط أن تكون من بيت لم يعرف الحزن مطلقاً. بكل همة ونشاط، أخذت السيدة تدور على بيوت القرية كلها وتبحث عن هدفها، حبة خردل من بيت لم يعرف الحزن مطلقاً.

طرقت السيدة باباً ففتحت لها امرأة شابة فسألتها السيدة هل عرف هذا البيت حزناً من قبل؟ ابتسمت المرأة في مرارة وأجابت هل عرف بيتي هذا إلا الحزن؟ وأخذت تروي لها أن زوجها توفي منذ سنة وترك لها أربعة أولاد وهي تقوم برعايتهم ولم يبق لديها شيء سوى بيع أثاث المنزل الذي لم يبق منه إلا القليل.

تأثرت السيدة جداً وحاولت أن تخفف عنها أحزانها وبنهاية الزيارة صارتا صديقتين لدرجة أن الشابة لم تُرد أن تدعها إلا بعد أن وعدتها بزيارة أخرى، وقد مضى وقت طويل دون أن تتمكن من فتح قلبها لأحد وتشتكي له همومها.

وقبل الغروب دخلت السيدة بيتاً آخر ولها نفس المطلب ولكن الإحباط سرعان ما أصابها عندما علمت من سيدة البيت أن زوجها مريض وليس عندها طعام كافٍ لأولادها ولا يوجد معها نقود تشتري لزوجها الدواء فذهبت السيدة إلى السوق واشترت طعاماً ودواء وعادت على سيدة البيت وعاونتها في طبخ الطعام وأعطتها الدواء لزوجها ثم ودعتها على أمل زيارتها ثانية.

أخذت السيدة تطوف من بيت إلى البيت وطال بحثها لكنها للأسف لم تجد ذلك البيت الذي لم يعرف الحزن مطلقاً لتأخذ حبة الخردل منه ولأنها كانت طيبة القلب فقد كانت تحاول أن تساعد كل بيت تدخله في حل مشاكله وأفراحه وبمرور الأيام أصبحت السيدة صديقة لكل بيت في القرية.

نسيت تماماً أنها كانت تبحث عن حبة خردل من بيت لم يعرف الحزن مطلقاً وقد ذابت في مشاكل ومشاعر الآخرين ولم تدرك قط أن حكيم القرية قد منحها أفضل وصفة للقضاء على الحزن وتلك الوصفة هي أن يتنازل الإنسان عن حبه لذاته ويشارك الآخرين في أفراحهم وأحزانهم.

وبهذه المناسبة يروي التاريخ أن الإسكندر الأكبر طلب من أمه أن لا تقبل العزاء من أحد لديه مشكلة إذا مات. ولدهشة أم الإسكندر عندما مات ابنها لم يأت أحد ليعزيها. وعندها علمت الحكمة من طلب ولدها.

مي عبدالعزيز عبدالله السديري 

مأزق التمركز حول الذات








إن حالة مركزية الذات Ego centrism في حقل الدراسات النفسية يُقصد بها الحالة التي يكون فيها الفرد مستغرقًا في عالمه الداخلي الخاص، منشغلًا بذاته، مبالغًا في تقدير أهميتها للدرجة التي يتصور فيها- واهماً- أنه مركز الأسرة والعالم المحيط به، وأن كل مَن حوله من بشر قد وجدوا من أجل خدمته وتلبية رغباته، وأن آراءه واهتماماته هي الأكثر صدقًا وأهمية من آراء واهتمامات الآخرين.

ويرى عالم النفس السويسري الشهير "جان بياجيه" أن حالة مركزية الذات هي في الأساس الحالة الطبيعية للأطفال تحت 6 سنوات، ولهذا فمع النمو المعرفي والوظيفي في المرحلة العمرية من 7- 12 سنة تقل لدى الطفل نزعة مركزية الذات ويبدأ في استيعاب وجهات نظر الآخرين، والحوار معهم، ويصبح الطفل قادرًا على التحصيل المعرفي على نحو أكثر انفتاحًا ومرونة.

وعلى الرغم من أن غالبية الأبحاث التي أجريت على موضوع "مركزية الذات" تركز في المقام الأول على التطور النفسي والمعرفي في مرحلة الطفولة، فبعض الدراسات الأخرى أثبتت امتدادها أحيانا إلى مرحلة المراهقة المتأخرة ومرحلة البلوغ أيضًا؛ حيث يرى عالم النفس "ديفيد إلكينيد" أن اهتمامات المراهق الصغير تتمركز حول ذاته، ولأنه غير قادر على التمييز بين ما يفكر به الآخرون وبين أفكاره الذاتية، فهو يفترض أن الآخرين مشغولون بتصرفاته ومظهره بالقدر نفسه الذي يفكر به هو في نفسه.

ولتوضيح فكرته قام "ديفيد إلكينيد" بصياغة بعض المصطلحات التي تًساعد على وصف السلوكيات التي يمارسها المراهقون، وتثبت تمركزهم حول ذواتهم، مثل مصطلح "الجمهور التخيلي" ومصطلح "الخرافة الشخصية".

ويشير مصطلح "الجمهور التخيلي" إلى أن المراهق يظن دائمًا أنه محط أنظار الجميع، وأن المحيطين به في أي سياق يوجد فيه يركزون بشدة على ما يقوله أو يفعله.

أما مفهوم "الخرافة الشخصية" فيشير إلى اعتقاد المراهق أن أسلوب تفكيره مميز جدًا، وأنه الوحيد القادر على التفكير بهذا الأسلوب.

إذن، فإن حالة "التمركز حول الذات" ، هي سمة نفسية ومعرفية تظهر في مرحلة الطفولة والمراهقة وبداية البلوغ؛ ولها في تلك المراحل ما يبرر وجودها، ولكنها إذا استمرت مع الإنسان في مراحل عمره اللاحقة وفي سنوات شبابه ونضجه، فإن هذا يعني أن هذا الإنسان لم يشبّ عن الطوق نفسيًا ومعرفيًا ووجوديًا، وأنه وقع فيما أطلق عليه الفيلسوف الأمريكي "رالف بارتون بيري" مصطلح مأزق التمركز حول الذات؛ وهو "المأزق المعرفي للذهن الذي يجد من المستحيل عليه الخروج من دائرة إحساساته وأفكاره الخاصة، ليعرف العالم والواقع مباشرة"، مما يجعل صاحبه بعد ذلك سجينًا لمعارفه السطحية وخرافاته الشخصية وأسيرًا لجمهوره التخيلي.

وأظن أن وسائل التواصل الاجتماعي التي خلقت جمهورًا متخيلًا كبيرًا، ونشّطت شهوة الكثيرين للكتابة، ويسّرت لهم إبداء الرأي في القضايا المختلفة بدون امتلاك المعرفة اللازمة وأدوات التحليل والنقد، مع اعتقادهم أن وجهات نظرهم وأحكامهم حقائق مطلقة لا تقبل الشك أو المناقشة، قد أثبتت لنا أن مأزق التمركز حول الذات الذي يجعل الإنسان سجينًا لأوهامه عن ذاته والعالم من حوله، قد صار هو خطيئة الإنسان المعاصر، والمرض المعرفي لعصرنا الراهن، وأنه سبب التناحر الدائم في العالم الافتراضي، الذي لم يعد فضاءً للحوار وتبادل وجهات النظر والتفاعل بين البشر من أجل زيادة الخبرة والمعرفة، وإثراء الذات ووجودها، بل ميدانًا للصراع وتبادل الاتهامات والسباب بين العديد من الذوات الطفولية المراهقة المتمركزة حول ذواتها، والمنفصلة عن الواقع وحقيقة العالم.


د. أحمد عمر

السبت، 2 يونيو 2018

قراءة في فكر إدجار موران





هذا المقال هو دراسة حول توظيف مفهوم تربية المستقبل عند إدجار موران في منهج التربية الإسلامية
تمهيد
يُعد إدجار موران من أبرز المفكرين الذين اهتموا بدراسة التحديات التي تواجه التربية اليوم، ولقد عالج ذلك في كتابه تربية المستقبل، وذلك إثر تكليف من اليونسكو. وقد عد سبع مثالب تواجهها التربية حاليًا ومستقبلا. وفيما يلي نستعرض خمسا من سمات تربية المستقبل: تنقية المعرفة، وإصلاح طرق التفكير، وتعليم الشرط الإنساني، وتعليم الهوية الأرضية، وتعليم الفهم الإنساني.

1- تنقية المعرفة
إن السمة الأولى من سمات تربية المستقبل هي التأكيد على أن المعرفة ليست يقينية. فالمعرفة ليست منزهة عن الخطأ، فلم يستطع الإنسان يوماً ما الوقوف على قمة مستوى اليقين في المعرفة، وذلك لأنه بطبيعته البشرية يخطئ ويصيب، ولأن عقله لم يعط قدرة مطلقة للمعرفة، إضافة لعدم قدرة عقل الإنسان على الوصول لهذا المستوى من اليقين، فإنه لم يُعط القدرة على الإحاطة بالمعارف على مدار الزمان والمكان. ولقد سبق لماركس وانجلز أن وضحا، في الأيديولوجيةالألمانية، كيف أن البشر شيدوا على الدوام تصورات خاطئة حول أنفسهم وحول ما يفعلونه وما يعتقدون أن من واجبهم فعله إزاء عالمهم. ولكن لا ماركس ولا انجلز استطاعا الانفلات من قبضة هذه الأخطاء.” لذلك كان لزاماً على التربية أن تؤكد هذا المعنى في نفوس المتعلمين والمعلمين، وأن المعرفة البشرية ليست منزهة عن الخطأ.
فالمعرفة سواء كانت أفكارا أو أشياء أو كلمات تلتقطها حواس الإنسان، وتعيد بناءها، أو ترجمتها داخل الإنسان، تبقى مُعطى خارجيا من المعلومات عن الأشياء أو قوانينها أو أسمائها وصفاتها اللغوية؛ وهي:
– المعرفة الحسية، وهي معارف بسيطة تتعلق بظواهر الأشياء الخارجية.
– والمعرفة العقلية، وهي معارف عميقة تتعلق بقوانين الأشياء وخواصها.
– والمعرفة الكلامية، وهي معارف بيانية متعلقة بأسماء الأشياء وأسماء الأفعال -المصادر- التي تقع من الأشياء وعليها.
وبهذا فذات الإنسان المُستقبلة لهذه المعرفة -تؤثر وتتأثر- في بناء هذه الأخيرة، وهذا يفسر الأخطاء التي يقع فيها الإنسان في إنتاج المعرفة، كونها -في شكل كلمات وأفكار ونظريات- ثمرة ترجمة، أو إعادة بناء عبر وسائل اللغة، وأن الفكر يقوي لا محالة من فرص الوقوع في الخطأ. يضاف إلى ذلك أن المعرفة سواء على مستوى الترجمة أو على مستوى إعادة البناء تشتمل على التأويل، مما يسرب إمكانية الوقوع في الخطأ داخل ذاتية الذات العارفة، وداخل رؤيتها للعالم، وداخل مبادئها المعرفية، ويفسر الأخطاء العديدة في قلب ما يتم بناؤه من تصورات وأفكار، على الرغم مما قد نمارسه من مراقبة عقلانية على عملية ومسار إنتاج المعرفة. وأخيراً، هناك مشكل إسقاط رغباتنا ومخاوفنا والاختلالات العقلية التي تحبل بها انفعالاتنا وتضاعف من احتمالات الوقوع في الخطأ.
ومن ثم، فعلى التربية أن تكشف مصادر أخطاء وأوهام المعرفة، مثل الأخطاء الذهنية، وأخطاء العقل؛ فأما الأخطاء الذهنية، فإن الوجدان يلعب دوراً كبيراً في تطوير أو وأد المعرفة، فتطور الذكاء داخل عالم الثدييات، وخاصة داخل العالم الإنساني، غير منفصل عن تطور الوجدان، فهناك على الدوام تواشج قوي بين العقل والوجدان. فقد يؤثر ضعف في الوجدان بشكل سلبي على ملكة العقل، وقد يشلها تماماً، وقد يؤدي إضعاف القدرات العاطفية إلى سلوكيات لا عقلانية، ومن جهة أخرى بإمكان القدرة على الانفعال أن تشكل حافزاً ضرورياً للقيام بسلوكيات عقلانية. ويفرق موران بين العقل والوجدان من حيث التكوين، وغلبة الوجدان على العقل.
أما أخطاء العقل، فكما سبق ذكره من أن عمل العقل هو ترجمة، أو إعادة بناء للصور والأشياء والكلمات، وخروج العقل عن وظيفته هذه إما بتحميله إنتاج الحقائق، أو وضع المعايير الأخلاقية، فإنه يعتبر انحرافا عن وظيفة العقل والعقلانية الحقيقية، “العقلانية الحقيقية هي التي تعي جيداً حدود المنطق والنزعة الحتمية والنزعة الآلية، إنها تعلم جيداً أن العقل الإنساني لا يمكنه معرفة كل شيء.” كما أن العقلانية ليست حكراً على أمة دون سائر الأمم، والعقلانية ليست حكراً على الحضارة الغربية دون سائر الحضارات، فلقد اعتقد الغرب الأوروبي لمدة طويلة أنه الحامل الوحيد للعقلانية رامياً بالأخطاء والأوهام والتخلف إلى الثقافات الأخرى، فيحكم على الثقافات بمدى انخراطها في مسارات الإنجازات التكنولوجية، والحال أننا نجد في كل مجتمع، بما في ذلك المجتمع البدائي، حضوراً قوياً للعقلانية في طريقة صياغة الأدوات وتقنيات الصيد ومعرفة النباتات والحيوانات والمحيط بموازاة الأسطورة والسحر والدين. ومجتمعاتنا الغربية ذاتها حبلى بالأساطير والسحر والدين بما في ذلك أسطورة العقل الموهوب، وأسطورة عبادة التقدم، إننا نكون عقلانيين بشكل حقيقي عندما نعترف بوجود التبرير العقلاني في قلب عقلانيتنا، وبوجود أساطيرنا الخاصة، ومنها أسطورة القوة الخارقة للعقل، وأسطورة التقدم الحتمي.
وبمقابلة ما ذكره موران مع مفهوم المنهج، يتضح أن مصدر المعرفة في تعريف موران هو العقل الإنساني، فعنده أن العقل الإنساني هو المنتج لها، ومن ثم؛ فإنها ليست المعرفة اليقينية، وبالتالي فإن ذات الإنسان تؤثر وتتأثر في إنتاج المعرفة، ومنه صعوبة وصول الإنسان إلى مستوى اليقين. وعلى العكس من ذلك؛ فإن المعرفة تتكون من شقين، شق مصدره الوحي، وعالم الغيب والشهود، ويتمثل في الحقائق والمعايير والقيم، وهو أعلى درجات اليقين، وشق مصدره الفكر البشري -المضبوط بالتصور الإسلامي-، ويتمثل في المعارف والخبرات والمهارات الإنسانية المتغيرة تغير الزمان والمكان، وهذا الشق تغلب عليه الطبيعة البشرية من الخطأ والصواب، ولعل هذا الشق فيه تشابه إلا حد كبير مع ما ذهب إليه إدغار موران، غير أن مفهوم إدغار موران لمصدر المعرفة يتوقف عند الإنسان، ومن ثم فتعريفه، لا يعتبر الوحي مصدراً للمعرفة.
وبإسقاط كلا المفهومين على منهج التربية، يتبين أن مفهوم موران قد خَرَّج إنسانا ماهرا يمتلك ناصية العلوم التقنية، والخبرات والمهارات الإنسانية المتطورة؛ غير أن قيمه لم تزل نسبية، فنراه يستعمل المعرفة في الخير والشر طالما عادت عليه بالنفع المادي، وذلك الفصام يرجع لانفصال القيم عن المعرفة، فمعرفته جامدة ليس للوحي فيها نصيب. وفي المقابل نرى خريج منهج التربية الإسلامية فاقدا للخبرات التقنية والمهارات المتطورة، ولكنه قد امتلك قيما أخلاقية؛ لأن منهج التربية الإسلامية قد قام على الوحي، غير أن منهج التربية الإسلامية لم يقم بإسالة هذه المعرفة في المجتمع المسلم سواء في ميادين الإنتاج، أو في ميدان الاجتماع، فأصبح هذا المنهج مصاباً بالازدواجية، وأمسى خريجه غير قادر على القيام بدوره الاستخلافي في عمارة الأرض، وبشهوده الحضاري على الناس.
2- إصلاح التفكير
إن المعرفة الملائمة -إصلاح التفكير- لتتسارع لتكون السمة الثانية لتربية المستقبل، فإذا كانت السمة الأولى قد اهتمت بالخطأ المعرفي، وتأليه العقل، فإن السمة الثانية قد صبت جُل اهتمامها على تنظيم المعرفة بطريقة ملائمة للعصر، وأصبحت قضية التربية هي: “كيف يمكن معرفة العالم، وكيف يمكن توظيف هذه المعرفة؟ كيف يمكن أن ندرك وأن نحافظ على السياق والشمولي، والعلاقة بين الكل/الأجزاء، والمتعدد والمركب الأبعاد؟ فلكي تكون المعرفة ملائمة للعصر، يجب أن تعمل التربية على توضيح مبادئ أربعة لتحقيق المعرفة وملاءمتها للعصر: السياق، والشمول (علاقة الكل بالأجزاء)، والمتعدد الأبعاد، والمركب.
فبالنسبة للسياق، يوضح موران أهمية وضع المُعطى المعرفي في سياقه حتى يتم الحصول على صحيح المعنى، بقوله: “كل معرفة تعتمد على معطيات أو معلومات معزولة تظل ناقصة. يجب موضعة المعارف والمعطيات داخل سياقها لكي يكون لها معنى، فكل كلمة لكي يكون لها معنى لابد من رجوعها إلى النص الذي هو سياقها الخاص، ويحتاج النص إلى سياق حتى يكون بالإمكان إنتاجه.” ومن هذا يتضح أن وضع المعلومة في سياقها هو شرط لتحقيق المعرفة. وبالنسبة للمبدأ الشمولي، الذي ينصرف معناه لما هو أكثر من السياق، فالشمولي هو: “المجموع الذي يضم أجزاء مختلفة ترتبط به إما بعلاقة ارتدادية أو تنظيمية. مثلاً، إن مجتمعا معينا هو دائماً أكثر من السياق، إنه كلٌ منظم الأجزاء، ولا نشكل نحن سوى جزء منه، والكوكب الأرضي هو أكثر من مجرد سياق، فيشتمل الكل على خصائص لا نجدها في الأجزاء المعزولة.” وبناء على ذلك، فإن معرفة الكل يمكن من معرفة الأجزاء، ومعرفة الأجزاء يمكن من معرفة الكل.
أما بالنسبة للمبدأ الثالث، مبدأ المتعدد الأبعاد، فإن الأشياء مكونة من أبعاد عدة، وعلى تربية المستقبل أن تعترف بهذا التعدد، وأن تدمج معطياته حتى تكون المعرفة الحقيقية، فتعتبر الوحدات المركبة مثل الكائن البشري، أو المجتمع وحدات متعددة الأبعاد، فالكائن البشري هو في الوقت ذاته كائن بيولوجي ونفسي واجتماعي ووجداني وعقلاني. ويضم المجتمع أبعاداً تاريخية وسوسيولوجية ودينية. على المعرفة الملائمة أن تعترف بهذا التعدد، وأن تدمج معطياته، وهنا لا يمكننا فقط فصل الجزء عن الكل، ولكن لا يجب علينا فصل الأجزاء عن بعضها. وأما بالنسبة للمبدأ الرابع، وهو مبدأ المركب، وهو مبدأ ينظر في علاقة الترابط والتفاعل بين الأجزاء، فمثلاً، لا يمكن بناء معرفة ملائمة لأزمة اقتصادية بمعزل عن البحث في باقي العناصر المكونة للكل، فيلزم دراسة الاجتماعي والأخلاقي والسياسي والنفسي. ومن ثم لزم الأخذ بعين الاعتبار علاقة الترابط والتفاعل والارتداد بين موضوع المعرفة وسياقه، وبين الجزء والكل، وبين الكل والأجزاء، والأجزاء فيما بينها، كما يتعين على تربية المستقبل أن تضع جيداً في الحسبان أن مستجدات وتطورات عصرنا الكوكبي تضعنا أكثر فأكثر وبشكل لا رجعة فيه أمام تحديات ما هو مركب.
ونخلص مما سبق، إلى أن على تربية المستقبل أن تطور فكر الإنسان لبناء المعرفة الملائمة للمستقبل، وذلك من خلال تحفيزه على بناء الرؤية الشاملة لتنظيم المعارف وتوظيفها، وأن تتجاوز عقبة تبعثر المعرفة، وأن تُظهر عوار العقلانية التي تُجزئ المعرفة. كما أن عدم بناء معرفة ملائمة يُحدث نوعا من التناقض في بناء المعرفة. فهذا التقدم -الحادث في القرن العشرين- أسفر عن تراجع خطير في المعرفة، بسبب أن التخصص يلغي السياق، ولا يولي أدنى اهتمام للشموليات والمركبات، وبذلك يتم حجب الوقائع الشمولية والمركبة وتقطيع الإنسان، وتجزيء أبعاده بين مختلف القطاعات المعرفية حيث تختص شعبة البيولوجيا بدراسة البعد البيولوجي، وشعبة العلوم الإنسانية بالأبعاد النفسية والاجتماعية والدينية والاقتصادية المعزولة عن بعضها البعض. نتيجة لذلك يفقد الفكر قدرته الطبيعية على موضعة المعارف داخل سياقها ودمجها داخل إطاراتها الطبيعية، ويُفضي هذا الضعف في إدراك الشمولي إلى إضعاف الإحساس بالمسؤولية، فيتقوقع كل واحد داخل تخصصه، كما يُفضي إلى إضعاف مبدأ التضامن، فكل واحد لا يستشعر أبداً علاقته مع مواطنيه. فمصادر المعرفة الإنسانية في الإسلام هي الوحي السماوي المُنـزَّل، والمعارف والتقنيات المكتسبة، والتراث البشري الموروث في هذين المجالين، وعليه فإن التربية الإسلامية لا بد أن تستمد منهجها ومحتواها من كلٍّ من وحي السماء وميراث المعارف والتقنيات المكتسبة، فإهمال أيٍّ منهما لا يمكن أن يؤدي إلى معرفة متكاملة نافعة أو إلى تربية سليمة.
3- تعليم الشرط الإنساني
على تربية المستقبل أن تنمي وعي الإنسان بوحدته، وبطبيعته المركبة، وكذلك طبيعة الآخرين، وأن تجعل من الشرط الإنساني موضعها الجوهري، ومن شأن هذه التربية أن تنفي الازدواجية عن الإنسان، فيكون هناك “القوي/المؤمن”، فلا احتراف منـزوع الأخلاق، ولا ذو خلق دون احتراف. فعلى التربية أن تعمق مفهومي الوحدة والتنوع البشريين لدى الإنسان، على التربية أن ترسخ فكرة وحدة التنوع البشري، كما ينبغي لها أن تعلم فكرة التنوع دون المساس بفكرة الوحدة، فتهتم بالوحدة الإنسانية بقدر ما تهتم بالتنوع الإنساني، فالوحدة الإنسانية تحمل داخلها مبادئ اختلافاتها المتعددة. أن نفهم الكائن البشري هو أن نتمثل وحدته في قلب تنوعه، وتنوعه داخل وحدته، وباختصار يجب إدراك وحدة المتعدد وتعدد الواحد، وعلى التربية أن تبرز مبدأ الوحدة/التنوع هذا في جميع المجالات.
فالإنسان يحمل في داخله كلاً من خصائص الوحدة، وكذلك خصائص التنوع، “كل كائن بشري يحمل داخله خصائص دماغية وذهنية ونفسية ووجدانية وعقلية وذاتية، إنها في نفس الوقت عبارة عن خصائص مشتركة بين جميع البشر، وعبارة عن خصائص تعكس تفرده.” ومع أهمية انسحاب مبدأ تعلم الشرط الإنساني على تربية المستقبل، لأن غير هذا سوف يعمق الجهل بالإنسان (الكل)، بقدر ما يتحقق من تقدم في مجال المعرفة بالأجزاء (العلوم الإنسانية)، وقد تطرف فريقان في قسمة مبدأ “الوحدة/التنوع”، فمنهم من غالى في الوحدة، ومنهم من تطرف في التنوع، وكلاهما بَعُدَ عن المفهوم الصحيح لمبدأ الشرط الإنساني. إن من يؤمنون بتنوع الثقافات يميلون إلى التقليل من قيمة الوحدة البشرية، وينزع أولئك الذين يقفون عند الوحدة البشرية إلى غض الطرف على تنوع الثقافات، لكن من المهم تدارك الأمر وإدراك وحدة تضمن وتدعم التنوع، بقدر ما يجب طرح التنوع داخل أفق الوحدة. فينبغي على تربية المستقبل أن تتخلص من الأحادية في النظرة إلى الإنسان، فلا يدعي أحد أن له الحق في تنميط الآخر وفق مناهجه هو، وأن وجهة نظره هي التي يجب أن تسود، وأن مبادئه لابد أن تعمم على سائر الخلق، ومن ثم، فإن واجب منهج التربية الإسلامية أن يجعل من هذا الشرط الإنساني ثقافة للمجتمع من خلال دمج المفاهيم في المقررات الدراسية، وكذلك إدماجها في الخبرات التعليمية.
إن الإنسان الفرد هو عضو في جماعة تظل تتسع حتى تشمل الإنسانية كلها بما فيها أسرته وأهله، ومجتمعه وبلده وأمته والعالم بأسره. فهو مرتبط بهذه الجماعات كلها بارتباطات شتى، و له عندها حقوق، كما أن عليه تجاهها واجبات، ولا تستقيم الحياة في هذه الدنيا إلا بقيام اتزان دقيق بين حقوق الفرد وواجباته تجاه الجماعة، وهو أمر من صميم العملية التربوية، ومن صميم الإسلام. وهو من الأمور التي لا يُكتَفى فيها بالتلقين، وإنما لا بد لها من أن تُغرس في النفوس بالممارسة الفعلية وباتباع القدوة الحسنة، والتزام أوامر الله واجتناب نواهيه، والوقوف عند حدوده التي وضعها لعلاقات الأفراد بعضهم ببعض، وعلاقات كل منهم بالمجتمع الإنساني كله على اختلاف أبعاده. والتربية الإسلامية في ذلك لا يمكن أن تكون عملية إقليمية ضيقة، تحدها حدود الأرض، أو فواصل اللغة، أو اختلاف اللون وتنوع الجنس؛ فهي تسعى إلى بناء الإنسان الصالح لتبني به المجتمع الإنساني الصالح، وهو مجتمع لا بد أن يكون مجتمعًا متعلما متبصرًا، يستشعر الفرد فيه معنى الأخوة الإنسانية، ويعتزّ به، ويصونه ويحافظ عليه. وعلى ذلك فالمساواة في التعليم الإسلامي بين عناصر الجنس البشري كلها أمر واجب لا فرق في ذلك بين أبيض وأسود، ولا بين ذكر وأنثى، فكلهم مطالبون بعبادة الله وتقواه، ولا عبادة بغير علم وهدى والتزام.
إن التربية في الإسلام ضرورة إنسانية تُقصَد لذاتها، لا للمردود المادي أو الاجتماعي الذي يمكن أن يعود على الإنسان من وراء تحصيلها، وإن كان ذلك في حد ذاته ليس مستنكَرًا؛ لأن الأصل في التربية الإسلامية أن تكون تأهيلاً للفرد لكي يكون قادرا على تنمية نفسه وأسرته ومجتمعه، لا لمجرد الترف الفكري المنفصل عن التطبيق في الحياة، بل من أجل تحقيق الاستخلاف في الأرض القائم على العمل الدؤوب من أجل التنمية الشاملة للفرد وللمجتمع وللحياة. فالإنسان الفرد عمره محدود، وهو محاسَب على كل مال وصل إلى يديه، وسوف يُسأل من أين اكتسبه وفيما أنفقه؟ ثم إن له بعد هذه الحياة الموت، ومن بعد الموت البعث والحساب، ثم حياة أخرى خالدة يلقى فيها جزاء ما قدمت يداه في هذه الدنيا. هذه الصورة الإسلامية الصادقة للوجود الإنساني بصفة عامة ولحامل القرآن الكريم بصفة خاصة تجعل له معنى لا يمكن أن يتحقق إذا كانت حياته مقصورة على هذه الدنيا فقط، ولذلك فإن التربية الإسلامية تبعث في الإنسان الضمير الحي الذي يحاسبه دوما قبل أن يحاسَب، ويَزِنُ عليه أعماله قبل أن توزَن عليه في عملية من المراجعة الذاتية الآنية المستمرة التي تعمل على تطهير قلبه وتزكية نفسه، وتدفعه إلى المسارعة في عمل الخيرات باستمرار، في شمولٍ وكمال تعجز كلُّ النُّظُم التربوية الأخرى عن تحقيق شيء منه.

إدغار موران Edgar Morin
4- تعليم الهوية الأرضية
العالمية هي المصير المشترك للإنسان، وعلى التربية أن تبين “أن البشر يشتركون منذ الآن في نفس مشاكل الحياة والموت، ويعيشون مصيراً مشتركاً.” ففي هذا الزمن -التي تتلاشى فيه الحدود تدريجياً، ويتسارع زمن الاتصال عن بعد، وتضاعف التفجر المعرفي عبر شبكة المعلومات، وإدماج العالم رغم أنفه في سوق عالمية- تبدو الكرة الأرضية أنها تنزع لأن تكون كُلاً، ويعبر موران عن ذلك “الكُل” بقوله: “أصبح العالم أكثر فأكثر عبارة عن كل، فكل جزء في العالم أصبح أكثر فأكثر عبارة عن جزء لا يتجزأ من هذا العالم. كما أن العالم بما هو كل أصبح حاضراً أكثر فأكثر داخل أجزاء كل جزء من أجزائه.”
فالنظرة الأحادية للكائن البشري أورثته القلق، والاكتئاب، والخوف، واليأس، والشعور بالضياع. لقد أورثت هذه النظرة التربية بمادية حطمت الإنسان، وسلبت روحه، فلذا على تربية المستقبل أن تُبرز وتشخص المصير المتعدد للإنسان، أي مصيره كنوع بشري، ومصيره كفرد، ومصيره الاجتماعي والتاريخي، وكلها مصائر متكاملة ومتعلقة فيما بينها بشكل قوي. وعلى تربية المستقبل أن تدفع نحو المعرفة والوعي بالشرط الإنساني المشترك لكل البشر، وكذا الوعي بغنى وضرورة تنوع الأفراد والثقافات والشعوب، وأخيراً على التربية أن تدفع نحو تجذر بني البشر كمواطني هذه الأرض. ففي ظل الأزمة التي اجتاحت وعصفت بسوق المال في العالم عام 2009م، والتي نشأت في المجتمع الغربي، نرى أن الإنسان في بقية العالم تحمل تبعات هذه المشكلة دونما أن يكون له فيها نصيب، “فبينما يستمتع الأوروبي داخل هذا المدار الكوكبي الرغد، ثمة عدد كبير من الأفارقة والآسيويين و الجنوب-أمريكيين يعيشون داخل مدار كوكبي بئيس، إنهم يتحملون في حياتهم اليومية عواقب السوق العالمية.”
من الواضح الجلي أن القرن الواحد والعشرين قَدُمَ مزداناً بتقدم مادي كليل، ولكنه في نفس الوقت ورث من سالفه توحشاً ضارياً، إلا أن القرن العشرين تميز كذلك بنوعين من التوحش: النوع الأول مصدره عمق الزمن الذي نعيش فيه والحابل بالحرب، والمذبحة، والمنفى، والتعصب. والنوع الثاني يحيل على شكل من التوحش بارد مجهول، مصدره البنية الداخلية للتبرير العقلاني، والذي لا يعترف إلا بما هو قابل للحساب ويتجاهل الأفراد، يتجاهل شهواتهم، وأحاسيسهم، وأرواحهم، الشيء الذي يضاعف قوى الموت والاستعباد التقنو-صناعي.
ولقد وصل هذا الأمر من السوء بعد الانقطاع عن الدين -الذي يوصم بأنه من موروثات الماضي- وتبني فلسفة مادية بحتة أَلّهت العقل، وعبدت وحدانية السوق، فكان الشقاء الذي يوزع إرثه بالقوة الجبرية على فقراء العالم، فلقد ولدت الحضارة في الغرب عبر القطع مع الماضي، معتقدة أنها تتوجه نحو مستقبل حافل بالتقدم اللانهائي، وذلك بفضل التقدم الموازي في مجالات العلم والعقل والتاريخ والاقتصاد والديمقراطية. إلا أننا تعلمنا من دروس هيروشيما، أن العلم سلاح ذو حدين: إذ شاهدنا كيف تراجع العقل، وكيف أن الهذيان الستاليني اتخذ قناع العقل التاريخي، لقد تبين لنا أنه لا وجود لقانون تاريخي سيقود حتماً نحو مستقبل مشرق، لقد رأينا كذلك كيف أن انتصار الديمقراطية لم يتحقق بشكل نهائي في أي مكان، كما رأينا أن التنمية الصناعية يمكن أن تنتج عنها أضرار ثقافية، وأنواع من التلوث القاتل. لقد رأينا أن حضارة الرفاهية يمكن أن تكون في نفس الوقت سبباً في الشقاء. إذا كانت الحداثة تتحدد بما هو إيمان غير مشروط بالتقدم في مجال التقنية والعلم، وفي التنمية الاقتصادية، فبإمكاننا القول إن هذه الحداثة قد ماتت.
ولذا، فإن على تربية المستقبل أن تربي الإنسان كيف يعيش فوق كوكب الأرض -وطن الإنسان- وكيف يتواصل مع أخيه الإنسان، وكيف يتقاسم بني البشر الأشياء دون استحواذ من فئة معينة ودون سيطرة أمة محددة، وأن ما تعلمته البشرية كلاً وفق خصوصيته، عليها أن تتعلمه وفق الهوية المشتركة لكوكب الأرض. لذلك علينا أن نتعلم كيف “نكون هنا” فوق الكوكب. ونعني بقولنا أن نكون هنا، أن نتعلم كيف نعيش، كيف نتقاسم الأشياء بيننا، وكيف نتواصل، وكيف نتوحد فيما بيننا، فهذا شيء نتعلمه فقط في ومن خلال ثقافتنا الخصوصية. بينما يتعين علينا من الآن فصاعدا أن نتعلم كيف نعيش، كيف نتقاسم الأشياء بيننا، وكيف نتواصل، وكيف نتوحد فيما بيننا باعتبارنا أناساً ينتمون لكوكب الأرض، وبالتالي علينا أن نرسخ بداخلنا ما يلي:
-الوعي الأنثروبولوجي، والذي يعترف بوحدتنا في إطار تعدديتنا.
-الوعي الإيكولوجي أي الوعي بأننا نعيش مع الكائنات الفانية داخل نفس المحيط الحيوي.
-الوعي المدني الأرضي، ونقصد بذلك الوعي بالمسؤولية والتضامن مع أطفال الأرض.
-الوعي الحواري، والذي يُكتسب من خلال ممارسة مُرَكّبة للتفكير.
5- تعليم الفهم
إن أحد الأسباب الرئيسة لتمزق العالم يرجع إلى غياب الفهم، وذلك بغيابه عن المؤسسات التربوية، ومن ثم ينتج هذا الغياب غياباً للسلام بين بني البشر، فالفهم وسيلة لتنمية الوعي الحواري، وسياج حام من الوقوع في مزالق الخطأ والوهم المعرفي، والطريق للبعد عن هيمنة المعرفة المجزأة، وهو الرابط بين الأجزاء والكليات، وهو السبيل للاعتراف بالآخر و التواصل بين بني البشر. ويشكل الفهم في الوقت ذاته وسيلة التواصل الإنساني وغايته، والحال أن التربية على الفهم غائبة كلياً عن مختلف أنواع تعليمنا. إن كوكبنا يتطلب أنواعاً من الفهم المتبادل في جميع المستويات وعلى جميع الأصعدة. وبالنظر إلى أهمية التربية على الفهم على جميع المستويات التربوية وكل المراحل العمرية، يقتضي الفهم إصلاحاً للعقليات، وهذا أحد الرهانات الكبرى للتربية في المستقبل.
فإذا كانت الفائدة من الفهم بهذا القدر، فلابد من أن استحواذه على النصيب الأكبر في المنظومة التعليمية، بل لابد أن يكون غاية من غايات التربية في المستقبل، والفهم ليس مرادفاً للعلم، بل هو ربيب الفقه، فلا تقنية من تقنيات التواصل، من هاتف، ومن انترنيت تحمل في ذاتها خاصية الفهم، لا يمكن إضفاء الطابع الرقمي على الفهم. ثمة فرق بين أن نربي من أجل تحصيل الفهم في الرياضيات أو في مادة تعليمية أخرى، وبين أن نربي من أجل اكتساب الفهم الإنساني، وهنا تتجلى الرسالة الروحية المحضة للتربية في تعليم الناس الفهم، والذي هو الشرط والضامن لتحقق التضامن العقلي والأخلاقي للإنسانية.
وإضافة لما سبق، يتضح أن هناك مستويان من الفهم هما: الفهم العقلي أو الموضوعي، والفهم الإنساني. فالفهم عقلياً أو موضوعياً يعني أن نصل سوياً إلى ضبط واستيعاب شيء ما، ويشترط الفهم العقلي الوضوح والتفسير، فالتفسير يعني أن موضوع المعرفة بمثابة شيء يُطبق عليه كل الوسائل الموضوعية في المعرفة، وهو ضروري بالنسبة للفهم العقلي والموضوعي. إلا أن الفهم الإنساني يتجاوز حدود التفسير، فالتفسير يكون كافياً من أجل الفهم العقلي أو الموضوعي المتعلق بأشياء مجردة أو مادية، لكنه غير كاف عندما يتعلق الأمر بالفهم الإنساني، فلابد للفهم الموضوعي أن يُحيل الفهم الإنساني على معرفة الذات للذات. هكذا، فإذا رأيت طفلاً يبكي سأفهمه، ليس اعتماداً على قياس درجة ملوحة دموعه، ولكن اعتمادا على الغوص في أعماقي واستخراج كل الشدائد التي عشتها في طفولتي، وبما أن الفهم مسألة بين ذاتية، فإنه يقتضي بالضرورة الانفتاح، والتعاطف، والأريحية.
أما عوائق الفهم فتنقسم إلى عوائق خارجية وأخرى داخلية، فأما الخارجية فهي: الضجيج الذي يشوش على نقل الخبر، و تعدد معاني مفهوم ما، والذي نقصد به معنى ما وقد يعطيه الآخر معنى مغايراً، وهناك الجهل بطقوس وعادات الغير، و عدم الفهم اتجاه القيم الإلزامية المتعلقة بثقافة مغايرة، و عدم فهم اتجاه الالتزامات الأخلاقية الخاصة بثقافة ما، وهناك في الغالب عدم تملك رؤية معينة للعالم، و في الأخير، استحالة فهم بنية عقلية لبنية عقلية مغايرة. أما العوائق الداخلية الخاصة بكلا نوعي الفهم، فهي عوائق متعددة، إنها لا تختزل فقط في اللامبالاة، ولكن أيضاً في نزعة التمركز حول الذات، ونزعة التمركز حول العرق، ونزعة التمركز حول المجتمع. إن القاسم المشترك بين هذه النزعات الثلاث، يكمن في كونها تموقع ذاتها في مركز العالم، وتعتبر كل ما هو غريب أو بعيد شيئا ثانويا، لا معنى له، أو شيئا معاد لها.
تؤدي نزعة التمركز حول الذات إلى عدم فهم الذات، ومن ثم عدم فهم الآخر، فهي تدعو “إلى اللجوء إلى التبرير الذاتي، وإلى تزكية الذات، والميل نحو جعل الغير مصدر كل الشرور، كما نعمل على انتقاء ما هو جليل في ذكرياتنا، وإقصاء أو تحويل ما هو غير مشرف فيها.” ويلي ذلك تمركز الذات حول العرق، وحول المجتمع، وهاتان النزعتان تؤديان إلى كراهية الأجانب والنزعات العنصرية، “ومن النزعات العنصرية، والتي يمكن أن تصل إلى حدود نزع صفة الإنسان عن الأجنبي.” وتعدد مسببات عدم الفهم مثل: “الأفكار المسبقة، وأنواع التبرير العقلاني المعتمدة على أوليات اعتباطية، وتبرير الذات بشكل جنوني، والعجز عن النقد الذاتي، واعتماد طريقة ذهنية في البرهنة، والكبرياء، والجحود، والاحتقار، وخلق متهمين وهميين والعمل على محاكمتهم.” والاختزال من الأسباب الرئيسة في عدم الفهم للآخر، بمعنى أن يُختزل المركب في جزء من أجزاءه، ومثال على ذلك، اختزال شخصية متعددة بطبيعتها في إحدى خصاصها، فإذا كانت هذه الخاصية إيجابية، فمعنى ذلك أنه سيتم تجاهل الخواص السلبية لهذه الشخصية. وإن كانت سلبية، فمعنى هذا أنه سيتم تجاهل خصائصها الإيجابية. وفي كلتا الحالتين نحن أمام عدم الفهم.”
فأخلاق الفهم تعني فن العيش مع الآخر، وهذا يتطلب أن تتم التربية على معان، كالتخلي عن التمركز حول الذات والعرق والمجتمع، فلا نستبق الأحكام على الآخر، ولا نمنع أنفسنا من الاعتراف بالخطأ، وأن نتجنب الإدانة القطعية، غير القابلة لإعادة النظر. ومن الأشياء التي تعزز النظر، التفكير الجيد، فنمط التفكير هو الذي يسمح لنا بفهم الشروط الموضوعية والذاتية للسلوك الإنساني. وكذلك الاستبطان، وهي الممارسة الذهنية المتجلية في الفحص الذاتي، لأن فهم نقاط ضعفنا الخاصة أو نواقصنا، هو السبيل نحو فهم نقاط ضعف ونواقص الغير. وكذلك، الوعي بالطابع المركب للإنسان، وهو الوعي بضرورة عدم اختزال كائن ما في الجزء الأصغر من ذاته، ولا في أسوأ لحظة من ماضيه. وكذلك استدخال التسامح، والذي يعني افتراض وجود قناعة، أو إيمان، أو اختيار أخلاقي لدينا، بل نقبل في نفس الوقت بالتعبير عن أفكار، وقناعات، واختيارات مناقضة لتلك التي لدينا نحن.
فعلى تربية المستقبل يقع تعميق الفهم الإنساني بين البشر، وعلى الثقافات أن تتعلم من بعضها البعض، وعلى الثقافات الغربية المتكبرة، التي فرضت نفسها كثقافة معلمة، أن تصبح ثقافة متعلمة أيضاً، أن يُسمح لكل ثقافة أن تتغذى من ثقافات العالم ككل، ومن خلال أعمالها الخاصة تعمل كذلك على إغناء ما يمكن تسميته بخليط ثقافي كوكبي، إن تطور الخليط الثقافي، والذي ما زال محدوداً، هو خاصية مميزة للجزء الثاني من القرن العشرين، ويجب أن يُتمم في القرن الواحد والعشرين.
ويؤكد الهيتي على أن الفهم في الواقع العربي فهم منقوص، فهناك عدة أطراف قد توفرت على تجذير الفهم المنقوص، فمنهم من يعمل على تأجيج العواطف واستخدام الاستمالة العاطفية، ومنهم من يفكر بعقل مستعار، وبمنهجية مستوردة، وكلا الطرفان يشترك في إعطاء أجوبة معّلبة عن الأسئلة التي يفرزها الواقع. وبالمقابل؛ فإن عصور النهضات في أي مجتمع هي التي ظهر فيها فهم جديد للطبيعة والحياة؛ إذ ساعد ذلك الفهم على التطور 

والنهوض، ولما كان تحقيق “الفهم” هو وليد التفكير العلمي؛ فإن التربية هي الطريق لإدخال الروح العلمية في الوعي بالمستقبل.

الكاتب : د. عبد المقصود سالم جعفر 
________________________________________


المصادر والمراجع
1) الآدمي، عمران سميح. المقدمة في دستور المعرفة والعلوم. عمان: دار القُرّاء للنشر. د. ط، 1419هـ.
2) النجار، زغلول. البناء التربوي لتلميذ القرآن.http://www.hiramagazine.com/archives_show.php?ID=158&ISSUE=8
3) الهيتي، هادي نعمان. (2003م). إشكالية المستقبل في الوعي العربي. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية. ط1.
4) موران، إدجار. تربية المستقبل. دار توبقال. الرباط.

الخميس، 24 مايو 2018

التمركز حول الذات ؛ سيكولوجية تدهور الذات و العلاقات الانسانية (من وجهة نظر رايس)




تعد العلاقات الانسانية القائمة على الحب و الوفاء و الأخلاص و التضحية و الأعتراف المتبادل مــــــن اجمل العلاقات والروابط البشريــــة الجميلة التي تنشأ بين افراد الجنس البشري ، سواء كانت هذه العلاقات بين الاباء والابناء ، او بيـــن الزوج و الزوجه ، او بين المسؤول ورعيته ، او بين الحبيب و محبوبته ، ولكن من المؤسف أحياناً في أن تتحــــول بعض هذه العلاقات الانسانية الى علاقات تمركز حول الذات ، و أن تتحـــــول هذه الروابط المشتركة الى علاقـات كارثية ، و الى مجرد احاسيس ومشاعر باردة يسودها الفتور والخمول . 
و يعرف علماءالنفس والصحة النفسية التمركز حول الذات hugging - Self بأنه ميل الفرد الى الاهتمام بذاته في المقابل اهماله وعدم اهتمامه بالآخر ، كما عرف بأنه الانشغال بالاهتمامات الذاتية الى الحد الذي يصبح معه الفرد غير حساس بمشاعر وحقوق الآخرين في الوقت الذي يحتاجون الآخرون اليه . أذ أن التمركز حول الذات احد الاضطرابات السلوكية او الاضطرابات الاتصالية التي تنشأ بسبب حب الذات دون اعتبار بحاجات الآخرين ، يكتسبه الفرد من بيئته الاجتماعية ، ويتعلمه من المحيط ، وكثيراً ما يفشل الفرد بسبب هذا التمركز من أن يكون اية علاقة انسانية صادقة ما عدى العلاقات المصطنعة .
أن التمركز حول الذات كما يراه علماء النفس و منهم (رايس) عاملاً مسمماً للحياة المشتركة بين حياة الفرد و حياة الآخرين ، من خلال ما قدمه من ثلاث مظاهر تبدأ اولاً :بسوء الفهم حيث ينشأ التشوش و سوء الفهم ، الارتباط في العلاقات بين الفرد المتمركز وبين الآخرين لان الشخص المتمركز حول ذاته لا يستطيع الاقتناع بأن الآخرين يتصرفون بطريقة مختلفة عنه بالفعل . 
ثانياً : وهم الذات اذ يعتقد الفرد بانه هو نفسه من يمتلك افضل واعقل وانبل الدوافع و القيم ، وهي دوافع وقيم ذاتية صالحة للأخرين و عليهم أن يتبنوها و يعملوا بها حسب وجهة نظر الفرد المتمركز، و لكنها في الحقيقة غير صالحة للآخرين .

اما الظاهرة الثالثة : وهي استبداد القيم التي تتمثل بالمحاولة ( الدائمة - الخبيثة ) باقنـــاع الآخرين بالحاح من خلال دفعهم للتخلي عن منظور حياتهـم الخاصة بهم واستبداله بمنظوره وقيمه هو ( للمتمركز ) .

و هذه المظاهر التي تتمثل في التمركز ستقود عاجلاً او آجلاً الى تحطيم اي علاقة تربطه المتمركز حول ذاته بالأخرين، لأن سوء الفهم التواصلي الناجم عن التمركز حول الذات هو سوء فهم تبادلي . اذ يعب على طرفي العلاقة التي يكون احدهما متمركزاً حول ذاته في عدم القدرة على فهم نمط شخصية الآخر ، الامر الذي يقود الى تعثر العلاقة بينهما ، وما تكون النتائج في هذه العلاقة للتمركز حول ذاته سوى نتائج كارثية . اما علاج هذه الظاهرة المرضية فلا يتم الا من خلال ما سماه فروم (بالحب المثمر) أي عن طريق الرعاية والمسؤولية والاحترام والمعرفة بمن نحب والعمل على تلبية حاجات ومتطلبات الاخرين ونزع كافة مظاهر التوجه المادي والانانية والشك والاستغلال ، من أجل خلق ضوابط و روابط سلوكية جديدة تعزيز الاتصالات الانسانية.


علي عبد الرحيم صالح

فوارق - بين الثقة بالنفس و التمركز حول الذات

  و‏فارق‬ بين الثقة بالنفس واحترام الذات وبين التمركز حول تلك الذات والانبهار بال(أنا) ذلك الانبهار والتمركز الذي يدفع صاحبه إلى الاستماتة من أجل البقاء دوما داخل دائرة الضوء إن من الناس أدمن التواجد في هذه الدائرة المضيئة حتى صارت هي منتهى آماله وغاية أحلامه صار لا يستطيع البعد عن تلك الدائرة ولا يطيق حياة يكون فيها خامل الذكر لا تتمحور الأحداث حوله ولا تدور الأخبار والحوادث في فلكه ولأجل ذلك البقاء في دائرة الضوء ومركز الحدث تجده على استعداد لأن يرتقي أصعب مرتقىً ويختار أعجب الأقوال والأفعال وأكثرها شذوذا وغرابة ويستثير مشاعر الخلق بأي سبيل ولو كان باستجلاب اللعائن كل هذا ليظل مستقرا في تلك الدائرة التي أدمن المكث بداخلها…. دائرة الضوء وحقيقة حرص ذلك النمط البشري على البقاء في تلك الدائرة لا تقتصر على لذة الشهرة وحلاوة تسلط الأنظار فتلك أمور ثانوية إلى جوار المشكلة الحقيقية التي تتلخص في كلمة واحدة أنا… إن ذاته قد تعاظمت و(أناه) قد تضخمت لدرجة ابتلعت معها كل الذوات والأشياء المحيطة التي اقتصر دورها في نظره على (التخديم) على تلميع ذاته وإنزالها منزلتها وإعطائها قدرها لذلك تجد صاحب هذه الذات المتضخمة لا ينظر إلى أي شخص أو موقف أو حدث إلا من منطلق منفعته الشخصية وإمكانية الانتفاع به في الاستزادة من التقدير لذاته وإن لم يكن ذلك ممكنا تجده تلقائيا يتحول إلى الهجوم على ذلك الشيء أو الشخص الذي لم يستطع الانتفاع منه أو تراه يسارع إلى المقارنات الهجومية التي تكون رسالتها الضمنية دوما: انظروا إلى عظمتي وجمال شخصيتي وبديع صنعي مقارنة بأولئك الرعاع الحمقى…أرجوكم قد آن الأوان لتنزلوني منزلتي وتقدروني حق قدري مقارنة بأولئك الأوباش الجهلة وحتى إن لم يستطع صاحبنا المتمحور حول ذاته أن يصنع تلك المقارنات المتكلفة فإنه يحرص في المقابل على البقاء في دائرة الضوء من خلال (حشر) ذاته و(دسّ) بطولاته وذكر مميزاته بمناسبة أو بدون مناسبة لابد أن تكون ذاته المتضخمة و(الأنا) المتعاظمة حاضرة بقوة في كل مقام ومقال والحقيقة أن ثمة #فارق كبير بين حديثك عن خبرةٍ حياتية وتجربة شخصية مفيدة مررت بها فترويها لينتفع بها الناس، أو رأيٍ تراه حقا ينبغي الصدع به وبيانه، أو موقفٍ تود إظهاره وإثباته، وبين تمحور كل حديثك حول مركز واحد تطوف به كل إيحاءاتك وتعود عليه كل لفتاتك وتشير إليه كل إيماءاتك أنت.. أنت أنت ولا شيء غيرك تلك الذات التي تبهرك وتشعر أن واجب الخلق الرئيسي أن ينبهروا بها مثلك وأن يقفوا إلى جوارك مشدوهين أمام روعتها الفائقة وعبقريتها الفذة ولم تسأل نفسك قط أيها المتمحور حول ذاتك ما الذي يجعلك تعتقد أنه يعنيني كثيرا أن أعرف عاداتك في الطعام والشراب أو عدد ساعات النوم التي نمتها الأسبوع الماضي؟ ما الذي يدعوك لتظن أن طبيعة الوجبة التي تناولتها ليلة أمس تشغلني وما الذي يصور لك أن تلك المواقف الشخصية التي لازلت تضحك منها إلى اليوم ستضحكني؟ ما الذي رسخ في ذهنك وألقى في روعك أن الخلق بحاجة ماسّة ليعرفوا تفاصيل حياتك الخاصة وينتبهوا إلى خصائص ذاتك الفريدة؟ يا عزيزي هون على نفسك.. دع أعمالك تتحدث عنك بدلا من قلمك ولسانك وليكن نفعك المتعدي عنوانا عليك واعقلها عني يا عزيزي… إن الكون لا يدور حولك ولا حولي…

 محمد علي يوسف 

رابط المادة: http://iswy.co/e15h0q

مرض عبادة الذات



عبادة الذات أو الدوران حول الذات مرض, والمصاب به تجده لا يحب الثقافة و العلم إلا لمصلحة تتعلق بذاته, فلا يستطيع أن يهتم بموضوع خارج ذاته بالكلية وإذا تكلمت بموضوع خارج ذاته سيحاول أن يسحبه شيئا فشيئا إلى ذاته, لذلك كل شيء يحدث يراه من خلال ذاته, والأشياء مهمة وتافهة وقريبة وبعيدة تبعا لقربها وقيمتها عند ذاته, فالأشياء عنده لا قيمة لها بذاتها, فحتى أحلامه في المنام يفسرها على أنها شيء سيحدث له في مستقبل ذاته.


الشعور الإنساني يريد أن ينطلق ويرى الحياة بينما الأنانية تربط كل شيء بالذات وهي التي تنتج ضيق الأفق وصعوبات التكيف والغيرة و الحسد. لا يستطيع الأناني أو الأنانية أن يفكرا بطريقة حرة, و لن يستطيع إلا أحد سلم نفسه لله, هو من يستطيع أن يكون حرا من سيطرة ذاته و أنانيته على أفكاره وتقييماته. طبعا لابد للإنسان أن يهتم بذاته لكن المشكلة في سيطرتها على النظرة للحق والباطل عند الإنسان, عبادة الذات تجعل الحق ما ينفعنا والباطل هو ما يضرنا فقط وهذا ليس بالشرط هو الحق والباطل. 


عبادة الذات تضيق إطار الحياة فلا يستطيع المصاب به أن يتذوق الجمال ويستمتع بالحياة, و إذا وصفها بالتعاسة فلأنها تعاكس سير متعته الذاتية حتى لو أسعدت غيره, مثلما عبر الجاحظ عن نكد الحياة حين قال أن الذباب لا يقع إلا على الكوب الذي تشرب منه, ولا يقع إلا في جانبه الذي تشرب منه, وإذا وقع في المشروب وأردت تسكبه يتجه إلى الجانب الأبعد من الكوب! حتى تريق أكثر ما في الكوب مقابل أن يخرج! ليأتي ذباب آخر! وبسبب ضيق إطار الحياة عندهم تلاحظهم يجسدون المتعة بشيء أو شيئين أو ثلاث وهذا يدل على ندرتها عندهم, فتجد ملحد مثلا يرى المتعة كلها بالخمر والجنس فقط, والإلحاد مبني أصلا على عبادة الذات لأنه لا يعترف بخير مطلق ولا شر مطلق فقط بالنسبة للذات, وكثير من أتباع الأديان أيضا مصابين بالدوران على الذات حتى لا نقول عبادة الذات دون الله أو أنها خاصة بالملحدين فقط, قال تعالى: {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه}. الدين يدعو لكبح الأنانية من خلال دعوته للتضحية و الإيثار والصبر لأجل الفضيلة, وهذا ما لا يملكه الإلحاد.


كل شيء في الطبيعة فيه جمال, حتى الذباب تستطيع أن تراه شيء ممتعا بدلا مما هو مزعج, مثلما قال عنترة يصف الذباب وقت الربيع:



" وَخَلَى الذُّبَابُ بِهَا فَلَيسَ بِبَـارِحٍ = غَرِداً كَفِعْل الشَّاربِ المُتَرَنّـمِ
هَزِجـاً يَحُـكُّ ذِراعَهُ بذِراعِـه = قَدْحَ المُكَبِّ على الزِّنَادِ الأَجْـذَمِ "

فالذباب يحك ذراعه بذراعه مثل شخص مصاب بالجذام ويريد أن يشعل الزناد ولا يستطيع أن يمسك بكفيه.


و يلاحظ على مرضى محورية الذات أن كلامهم ممل, لأنك تعرف ماذا سيقولون وأنه سيكون في الأخير هو البطل فلا جديد عندهم, الملحد مثلا لن يتكلم إلا عن مواضيع محددة فمثلا سيتكلم عن جاليليو واكتشاف دوران الأرض, من خلق الله, والدين سبب الصراع, العلم يعارض الدين, الإنسان ليس في أحسن تقويم, والمرأة..إلخ, فتستطيع أن تجمع المحاور التي لن يخرج عنها, وفي أي قضية تستطيع أن تعرف كيف سيتناولها, والسبب أنه دائم التمحور حول ذاته ولا يخرج منها, والذات عندهم تعني اللذات واللذات حسية واللذات الحسية محدودة, وبالتالي يصبح الشخص محدودا ضيق الأفق.


ومن صفات مرضى التمحور الذات أنهم لا يملون من إعادة نفس الموضوعات لأن لها علاقة بالذات, فهم لا يرون الدنيا واسعة بل ضيقة لأنها مربوطة بالذات, فهم يرون وكأنها الدنيا مثلث رأسه مرتكز في ذواتهم. قال تعالى: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا} فهم يعانون من الضيق, و حتى العوام منهم تجدهم مملين في الغالب, فلو تجلس مع أحدهم عدة مرات تجده يبدأ يكرر نفسه.


أصحاب الأهواء المتعارضة لا يلتقون أبدا, ولا يفيدهم الحوار إلا ربما في إيجاد نقاط مصالح مشتركة, لهذا لا يؤمنون بالتبعية والخضوع.


عبادة الذات أم الغباء, فعبد ذاته دائما غبي, وهي تعني عبادة الشهوات والشهوات دائمة قليلة, أما من اختار طريق الله والطبيعة والفضيلة فالحياة كلها مفتوحة أمامه ولا يُحرَم من الشهوات, لكن ليس على حساب الفضائل.


لا يوجد أحد يحب المعرفة حقيقةً إلا وفيه خير, فمن فيه خير تجده ينسى نفسه ويتأمل حيوان مثلا وجماله وكيف يتحرك, فكون الشخص خرج من ذاته إلى شيء ليس له مصلحة فيه هذه علامة خير بحد ذاتها, وإذا كان يستطيع أن يحس بمعاناة غيره حقيقةً فهذه علامة خير أيضا. من ينسى نفسه حين يخرج لمكان جميل لكن فيه عيوب كالحشرات أو البرد أو الغبار أو المطر تجده يستطيع أن يستمتع بالجوانب الجميلة فيه, بينما عبد ذاته لا يستطيع إذا تأذت ذاته. من فيه خير تجده يحب أن يتعلم من أجل ينفع غيره, بينما عبد ذاته لا يتعلم شيئا إلا ما له علاقة بحياته فقط, وهذا ما يجعله جاهل.


الخروج عن الذات ينتج حكمة, والتمحور عليها ينتج الجهل, و الحكمة هي المطلوبة وليست المعلومات, وأي معلومات الدافع لها الأنانية ليس لها قيمة ولا تفيد إلا فيما استُعمِلت له. من يخرج من ذاته هو من يرى الحق وهو من يرى الخير وهو من يرى الجمال ويرى الحقيقة ويعرف الله. لهذا يعجبنا الشاعر والفنان الذي يصف الطبيعة وينسى نفسه مثلما نرى في الشعر الجاهلي و اللوحات البرناسية أكثر من الشاعر يتكلم عن نفسه ومعاناته وأنه لم ينم ليلتين من شدة حبه دون أن يتناول بنادول و أنه لم يأكل...إلخ, بل ربما أفضل من الشاعر الرومانسي الذي يسبع مشاعره على الطبيعة وكأنه الطبيعة هو, فإذا كان كئيبا صار المطر يبكي والشعاب تنشج.., وإذا كان سعيدا صارت الزهور تضحك من هزيج السحاب. 


أفضل شيء تعمله لذاتك أن تنساها وتسلمها للشعور والحق والواجب, وهذا ما يلخصه فكرة العبودية لله, سلم نفسك لله تتفتح لك أبواب الدنيا والآخرة, قال سبحانه: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب}, فالنفس التي يبنيها الشعور هي السعيدة لأن السعادة من الشعور الفطري الباحث عن الفضيلة وعن الله.

إستشارات موقع أون إسلام




مشكلتي تتلخص في الآتي: - عدم الثقة بالنفس - عدم الرضا عن النفس والإحساس بالفشل - الخوف من كل ما هو جديد - العزلة والانطوائية. أنا شاب عمري 23 سنة، حاليا في السنة النهائية في إحدى الجامعات المرموقة ببلدي، درست جميع مراحل المدرسة في إحدى الدول الخليجية، أعاني من التأتأة منذ صغري، وهي تختلف حسب حالتي المزاجية، والموقف الذي أواجهه، فأحيانا أتكلم بطلاقة وبوضوح، وفي أحيان أخرى أعجز عن نطق كلمتين معا، بالإضافة إلى ذلك لدى ميل إلى الوحدة، ونادرا ما أشترك في الأنشطة الجماعية. الحمدلله كنت دائما الأول على صفي، وأحرزت مركزا متقدما في امتحانات الشهادة الثانوية، وأحرز نتائج طيبة في دراستي الجامعية، ولكنها تقل من سنة إلى أخرى. لدي اعتقاد بأنه يتوجب علي إنجاز كل شيء على الوجه الأكمل، وأن تكون جميع تصرفاتي -خاصة أمام الآخربن- كاملة دون أخطاء وبما لا يدع لأي شخص فرصة في انتقاد ما قلته أو فعلته، أي أنه لدي شيء من الكبر والغرور. كل ذلك يجعلني جامدًا مع الأشخاص الذين أحرص أمامهم على أن أبدو بصورة كاملة، محاولا إخفاء الضعف في دواخلي، وكنتيجة لذلك يتعامل معي كثير من زملائي وزميلاتي بالإضافة إلى أقربائي بحذر، فأنا أحاول إخفاء أي اهتمام بأي أحد. ما زلت أرى نفسي غير ناضج، فكلما مررت بمجموعة من الناس (خاصة الطالبات في الكلية) أشعر بأن الجميع ينظر إلي، وقد ضقت ذرعا بهذا الشعور الذي يلازمني حتى الآن، يرافقه إحساس بالضعف والفشل، فأنا لا أستطيع أن أتحدث بصوت عال أمام مجموعة من الأشخاص خاصة في وجود الفتيات خوفا من الارتباك والتأتأة. ونادرا ما أقف لأتحدث مع إحدى الزميلات، وعندها أجدني متصنعا ومتكلفا في أسلوب حديثي، وأعاتب نفسي بسبب ما قد يراودني من أفكار نابعة من الغريزة البشرية، مما ولد لدي شعورًا بأنني قد لا أنجح في إقامة علاقة جادة بإحدى الفتيات تتوج بالزواج. أعاني من الكبت والضغط النفسي، وهو ما يدفعني أحيانا إلى البكاء وحيدا، يضاف إليه شعور داخلي عميق بأنني نكرة وأحاول التظاهر بغير ذلك، ويعزز ذلك أن أحد أقربائي لفت نظري إلى أنني أتكلف في تصرفاتي، وأحاول الظهور بمظهر من هو أكبر سنا مع قدر كبير من الأنانية. لا أدري هل من سبيل للتغيير؟ أم أن هذه طبيعتي وشخصيتي يجب أن أتقبلها؟ ملاحظة: حتى هذه اللحظة، لا زلت مترددا في إرسال هذه الرسالة، فلدي صوت في داخلي يقول لي: "أنت لا تعاني من أي مشكلة، ولا تحتاج لنصح من أي شخص"، ولكني فعلا بحاجة إلى النصح والإرشاد، فاعذروني لإطالتي عليكم، فقد أردت البوح بما يعتمر دواخلي ولم أجد غير صدركم الرحب. وجزاكم الله خيرا.. انتهت يقول د.محمد المهدي أخيالعزيز... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أحيانا نتورط دون أن ندري فيما يسمى "التمركز حول الذات" ونشقى كثيرا بهذا التورط، وقد لا ننتبه إليه، أو ينبهنا أحد ولكننا لا نلتفت أو نتراجع، والعلامة الأهم للتمركز حول الذات هي الأنانية، والأنانية تكون مصحوبة بانخفاض تقدير الذات، فالشخص الأناني لا يعطى اعتبارا للآخرين، وهو في نفس الوقت لا يعي إلا اعتبارًا ضئيلا لنفسه. وهذا الشخص مشغول دائما بأحاسيسه ومشاعره فقط، ويطلب – بشكل زائد – الاهتمام والرعاية والتعاطف والإشباع من الآخرين، وكأنهم مجرد أدوات لخدمته وراحته وسعادته. وهو لا يستطيع أن يرى نفسه بواقعية، ولا يتحمل مسئولية أخطائه أو قصوره، ولا يتحمل نقدًا من أحد، ولا يستطيع أن ينقد نفسه نقدًا بناءً، فهو شديد الحساسية تجاه صورة ذاته أمام نفسه وأمام الآخرين، والحفاظ على هذه الصورة أهم عنده من أي شيء. ومن العلامات الهامة أيضا للتمركز حول الذات ضعف القدرة على تفهم مشاعر الآخرين واحتياجاتهم بمعنى ضعف القدرة على قراءة مشاعر الآخرين من صوتهم أو تعبيرات وجههم، وهذا يؤدي إلى وجود حواجز بين هذا الشخص وبين الآخرين ويجعلهم غرباء عليه ويجعله غريبا وبعيدا عنهم. ولو أعدت قراءة رسالتك لوجدت الكثير من علامات التمركز حول الذات، وهذه الحالة جعلتك تعيش حالة من الانطواء والعزلة والحساسية الزائدة وعدم تحمل الإحباط وتقلبات المزاج. وقد أدى هذا إلى إحساس بالغربة عن الناس وعدم القدرة على التواصل المريح معهم، كل هذا انعكس على مستواك الدراسي في السنوات الأخيرة. وعزلتك الشعورية عن الناس أدت بدورها إلى افتقادك للكثير من المهارات الاجتماعية اللازمة للتفاعل الإيجابي والمثمر مع الناس وربما كنت في مرحلة من المراحل تعوض ذلك بتفوقك الدراسي، ولكن في هذه المرحلة من العمر لم يعد التفوق الدراسي كافيا لإعطائك الشعور بالرضا والشبع. والسؤالالآن: ما الحل؟ من المهم أن نعرف أن الإنسان بإمكانه أن يتغير في أي مرحلة من مراحل العمر، وصحيح أن نمط الشخصية لكل منا فيه درجة من الثبات، ولكن هذا لا يعني حتمية الاحتفاظ بعيوبنا وقصورنا، فالسمات الشخصية يمكن إعادة توجيهها وتوظيفها بما يؤدي إلى صلاح الشخص وصلاح الحياة، وهذا يحتاج لقرار وبذل جهد ومثابرة، وهناك قانون إلهي مغزاه: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، ولنا في حياة الصحابة رضوان الله عليهم نماذج رائعة وواقعية في التغيير الإيجابي مع احتفاظ كل منهم ببصمة شخصيته المميزة له، فسيدنا عمر -رضي الله عنه- قد تحول بشدته إلى حزم وعدل، وسيدنا خالد حول سيفه من معسكر الكفر إلى معسكر الإيمان، وسيدنا أبو هريرة وظف ذاكرته لحفظ الحديث، وسيدنا بلال أفاد الإسلام بعذوبة صوته (رضوان الله عليهم جميعا)،... وهكذا. وبداية التغيير الوعي بنقاط القوة ونقاط الضعف في نفوسنا دون إنكار أو تبرير أو إسقاط، ثم كتابة هذه النقاط في ورقة والبدء فورًا في تنمية نقاط القوة ومعالجة نقاط الضعف، وهذا ربما يستلزم الاستعانة برأي بعض الأصدقاء أو الأقارب أو المتخصصين؛ لأن الإنسان يرى الأمور من منظوره هو؛ ولذلك يحتاج لأن يراها أيضا من منظور الآخرين فهذا يعطي مجالا أكثر اتساعًا وأكثر موضوعية للرؤية. والتغييرلن يتم في يوم وليلة، وإنما يبدأ الآن ويستمر حتى نهاية العمر، ولا تقل إنني حاولت وفشلت فالمحاولات لن تنتهي إلا بانتهاء العمر. ونقطة التغيير الأساسية لديك هي في الخروج من دائرة ذاتك، وأن تكون لديك القدرة على أن ترى الآخرين وتهتم بهم، وعلى أن تحب وتحب، وأن تعطي وتأخذ، وأن تنظر إلى خبرات حياتك بشكل إيجابي، وأن تتعلم من خبرات الماضي، وأن تكون قادرًا على تحمل الإحباط، وتحترم تجارب الفشل، وأن تتحرر من أعراض التوتر الزائدة بممارسة رياضة بدنية أو تمارين استرخاء، وأن تكون لديك القدرة على حل الصراعات، وألا تحرص على أن تكون أنت الفائز الوحيد على حساب بقية الناس، وأن تكون لديك القدرة على قبول الاختلاف والخلاف بلا تعصب لرأيك أو إلغاء للآخرين، وأن تنخرط في أنشطة جماعية تهدف إلى خير وصلاح سائر الناس. وإذا لم تستطع أن تقوم بهذا التغيير بجهدك الذاتي فيمكنك حضور بعض الدورات أو الندوات حول النضج الوجداني والمهارات الاجتماعية، وهي منتشرة الآن بكثرة في عدد من المراكز في مصر والوطن العربي، أو تحضر جلسات علاج نفسي جمعي تحت إشراف أحد المعالجين النفسيين المتمرسين. وعلامةنجاحك في الخروج من دائرة ذاتك الضيقة إلى رحابة الكون الأوسع أن تجد أنك أصبحت في حالة توافق وانسجام مع نفسك ومع الناس ومع الله. وأخيرا.. تذكر قول الله تعالى لرسوله الكريم معلما وموجها: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159].