الخميس، 24 مايو 2018

إستشارات موقع أون إسلام




مشكلتي تتلخص في الآتي: - عدم الثقة بالنفس - عدم الرضا عن النفس والإحساس بالفشل - الخوف من كل ما هو جديد - العزلة والانطوائية. أنا شاب عمري 23 سنة، حاليا في السنة النهائية في إحدى الجامعات المرموقة ببلدي، درست جميع مراحل المدرسة في إحدى الدول الخليجية، أعاني من التأتأة منذ صغري، وهي تختلف حسب حالتي المزاجية، والموقف الذي أواجهه، فأحيانا أتكلم بطلاقة وبوضوح، وفي أحيان أخرى أعجز عن نطق كلمتين معا، بالإضافة إلى ذلك لدى ميل إلى الوحدة، ونادرا ما أشترك في الأنشطة الجماعية. الحمدلله كنت دائما الأول على صفي، وأحرزت مركزا متقدما في امتحانات الشهادة الثانوية، وأحرز نتائج طيبة في دراستي الجامعية، ولكنها تقل من سنة إلى أخرى. لدي اعتقاد بأنه يتوجب علي إنجاز كل شيء على الوجه الأكمل، وأن تكون جميع تصرفاتي -خاصة أمام الآخربن- كاملة دون أخطاء وبما لا يدع لأي شخص فرصة في انتقاد ما قلته أو فعلته، أي أنه لدي شيء من الكبر والغرور. كل ذلك يجعلني جامدًا مع الأشخاص الذين أحرص أمامهم على أن أبدو بصورة كاملة، محاولا إخفاء الضعف في دواخلي، وكنتيجة لذلك يتعامل معي كثير من زملائي وزميلاتي بالإضافة إلى أقربائي بحذر، فأنا أحاول إخفاء أي اهتمام بأي أحد. ما زلت أرى نفسي غير ناضج، فكلما مررت بمجموعة من الناس (خاصة الطالبات في الكلية) أشعر بأن الجميع ينظر إلي، وقد ضقت ذرعا بهذا الشعور الذي يلازمني حتى الآن، يرافقه إحساس بالضعف والفشل، فأنا لا أستطيع أن أتحدث بصوت عال أمام مجموعة من الأشخاص خاصة في وجود الفتيات خوفا من الارتباك والتأتأة. ونادرا ما أقف لأتحدث مع إحدى الزميلات، وعندها أجدني متصنعا ومتكلفا في أسلوب حديثي، وأعاتب نفسي بسبب ما قد يراودني من أفكار نابعة من الغريزة البشرية، مما ولد لدي شعورًا بأنني قد لا أنجح في إقامة علاقة جادة بإحدى الفتيات تتوج بالزواج. أعاني من الكبت والضغط النفسي، وهو ما يدفعني أحيانا إلى البكاء وحيدا، يضاف إليه شعور داخلي عميق بأنني نكرة وأحاول التظاهر بغير ذلك، ويعزز ذلك أن أحد أقربائي لفت نظري إلى أنني أتكلف في تصرفاتي، وأحاول الظهور بمظهر من هو أكبر سنا مع قدر كبير من الأنانية. لا أدري هل من سبيل للتغيير؟ أم أن هذه طبيعتي وشخصيتي يجب أن أتقبلها؟ ملاحظة: حتى هذه اللحظة، لا زلت مترددا في إرسال هذه الرسالة، فلدي صوت في داخلي يقول لي: "أنت لا تعاني من أي مشكلة، ولا تحتاج لنصح من أي شخص"، ولكني فعلا بحاجة إلى النصح والإرشاد، فاعذروني لإطالتي عليكم، فقد أردت البوح بما يعتمر دواخلي ولم أجد غير صدركم الرحب. وجزاكم الله خيرا.. انتهت يقول د.محمد المهدي أخيالعزيز... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أحيانا نتورط دون أن ندري فيما يسمى "التمركز حول الذات" ونشقى كثيرا بهذا التورط، وقد لا ننتبه إليه، أو ينبهنا أحد ولكننا لا نلتفت أو نتراجع، والعلامة الأهم للتمركز حول الذات هي الأنانية، والأنانية تكون مصحوبة بانخفاض تقدير الذات، فالشخص الأناني لا يعطى اعتبارا للآخرين، وهو في نفس الوقت لا يعي إلا اعتبارًا ضئيلا لنفسه. وهذا الشخص مشغول دائما بأحاسيسه ومشاعره فقط، ويطلب – بشكل زائد – الاهتمام والرعاية والتعاطف والإشباع من الآخرين، وكأنهم مجرد أدوات لخدمته وراحته وسعادته. وهو لا يستطيع أن يرى نفسه بواقعية، ولا يتحمل مسئولية أخطائه أو قصوره، ولا يتحمل نقدًا من أحد، ولا يستطيع أن ينقد نفسه نقدًا بناءً، فهو شديد الحساسية تجاه صورة ذاته أمام نفسه وأمام الآخرين، والحفاظ على هذه الصورة أهم عنده من أي شيء. ومن العلامات الهامة أيضا للتمركز حول الذات ضعف القدرة على تفهم مشاعر الآخرين واحتياجاتهم بمعنى ضعف القدرة على قراءة مشاعر الآخرين من صوتهم أو تعبيرات وجههم، وهذا يؤدي إلى وجود حواجز بين هذا الشخص وبين الآخرين ويجعلهم غرباء عليه ويجعله غريبا وبعيدا عنهم. ولو أعدت قراءة رسالتك لوجدت الكثير من علامات التمركز حول الذات، وهذه الحالة جعلتك تعيش حالة من الانطواء والعزلة والحساسية الزائدة وعدم تحمل الإحباط وتقلبات المزاج. وقد أدى هذا إلى إحساس بالغربة عن الناس وعدم القدرة على التواصل المريح معهم، كل هذا انعكس على مستواك الدراسي في السنوات الأخيرة. وعزلتك الشعورية عن الناس أدت بدورها إلى افتقادك للكثير من المهارات الاجتماعية اللازمة للتفاعل الإيجابي والمثمر مع الناس وربما كنت في مرحلة من المراحل تعوض ذلك بتفوقك الدراسي، ولكن في هذه المرحلة من العمر لم يعد التفوق الدراسي كافيا لإعطائك الشعور بالرضا والشبع. والسؤالالآن: ما الحل؟ من المهم أن نعرف أن الإنسان بإمكانه أن يتغير في أي مرحلة من مراحل العمر، وصحيح أن نمط الشخصية لكل منا فيه درجة من الثبات، ولكن هذا لا يعني حتمية الاحتفاظ بعيوبنا وقصورنا، فالسمات الشخصية يمكن إعادة توجيهها وتوظيفها بما يؤدي إلى صلاح الشخص وصلاح الحياة، وهذا يحتاج لقرار وبذل جهد ومثابرة، وهناك قانون إلهي مغزاه: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، ولنا في حياة الصحابة رضوان الله عليهم نماذج رائعة وواقعية في التغيير الإيجابي مع احتفاظ كل منهم ببصمة شخصيته المميزة له، فسيدنا عمر -رضي الله عنه- قد تحول بشدته إلى حزم وعدل، وسيدنا خالد حول سيفه من معسكر الكفر إلى معسكر الإيمان، وسيدنا أبو هريرة وظف ذاكرته لحفظ الحديث، وسيدنا بلال أفاد الإسلام بعذوبة صوته (رضوان الله عليهم جميعا)،... وهكذا. وبداية التغيير الوعي بنقاط القوة ونقاط الضعف في نفوسنا دون إنكار أو تبرير أو إسقاط، ثم كتابة هذه النقاط في ورقة والبدء فورًا في تنمية نقاط القوة ومعالجة نقاط الضعف، وهذا ربما يستلزم الاستعانة برأي بعض الأصدقاء أو الأقارب أو المتخصصين؛ لأن الإنسان يرى الأمور من منظوره هو؛ ولذلك يحتاج لأن يراها أيضا من منظور الآخرين فهذا يعطي مجالا أكثر اتساعًا وأكثر موضوعية للرؤية. والتغييرلن يتم في يوم وليلة، وإنما يبدأ الآن ويستمر حتى نهاية العمر، ولا تقل إنني حاولت وفشلت فالمحاولات لن تنتهي إلا بانتهاء العمر. ونقطة التغيير الأساسية لديك هي في الخروج من دائرة ذاتك، وأن تكون لديك القدرة على أن ترى الآخرين وتهتم بهم، وعلى أن تحب وتحب، وأن تعطي وتأخذ، وأن تنظر إلى خبرات حياتك بشكل إيجابي، وأن تتعلم من خبرات الماضي، وأن تكون قادرًا على تحمل الإحباط، وتحترم تجارب الفشل، وأن تتحرر من أعراض التوتر الزائدة بممارسة رياضة بدنية أو تمارين استرخاء، وأن تكون لديك القدرة على حل الصراعات، وألا تحرص على أن تكون أنت الفائز الوحيد على حساب بقية الناس، وأن تكون لديك القدرة على قبول الاختلاف والخلاف بلا تعصب لرأيك أو إلغاء للآخرين، وأن تنخرط في أنشطة جماعية تهدف إلى خير وصلاح سائر الناس. وإذا لم تستطع أن تقوم بهذا التغيير بجهدك الذاتي فيمكنك حضور بعض الدورات أو الندوات حول النضج الوجداني والمهارات الاجتماعية، وهي منتشرة الآن بكثرة في عدد من المراكز في مصر والوطن العربي، أو تحضر جلسات علاج نفسي جمعي تحت إشراف أحد المعالجين النفسيين المتمرسين. وعلامةنجاحك في الخروج من دائرة ذاتك الضيقة إلى رحابة الكون الأوسع أن تجد أنك أصبحت في حالة توافق وانسجام مع نفسك ومع الناس ومع الله. وأخيرا.. تذكر قول الله تعالى لرسوله الكريم معلما وموجها: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159].

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق