التخطي إلى المحتوى الرئيسي

فوارق - بين الثقة بالنفس و التمركز حول الذات

  و‏فارق‬ بين الثقة بالنفس واحترام الذات وبين التمركز حول تلك الذات والانبهار بال(أنا) ذلك الانبهار والتمركز الذي يدفع صاحبه إلى الاستماتة من أجل البقاء دوما داخل دائرة الضوء إن من الناس أدمن التواجد في هذه الدائرة المضيئة حتى صارت هي منتهى آماله وغاية أحلامه صار لا يستطيع البعد عن تلك الدائرة ولا يطيق حياة يكون فيها خامل الذكر لا تتمحور الأحداث حوله ولا تدور الأخبار والحوادث في فلكه ولأجل ذلك البقاء في دائرة الضوء ومركز الحدث تجده على استعداد لأن يرتقي أصعب مرتقىً ويختار أعجب الأقوال والأفعال وأكثرها شذوذا وغرابة ويستثير مشاعر الخلق بأي سبيل ولو كان باستجلاب اللعائن كل هذا ليظل مستقرا في تلك الدائرة التي أدمن المكث بداخلها…. دائرة الضوء وحقيقة حرص ذلك النمط البشري على البقاء في تلك الدائرة لا تقتصر على لذة الشهرة وحلاوة تسلط الأنظار فتلك أمور ثانوية إلى جوار المشكلة الحقيقية التي تتلخص في كلمة واحدة أنا… إن ذاته قد تعاظمت و(أناه) قد تضخمت لدرجة ابتلعت معها كل الذوات والأشياء المحيطة التي اقتصر دورها في نظره على (التخديم) على تلميع ذاته وإنزالها منزلتها وإعطائها قدرها لذلك تجد صاحب هذه الذات المتضخمة لا ينظر إلى أي شخص أو موقف أو حدث إلا من منطلق منفعته الشخصية وإمكانية الانتفاع به في الاستزادة من التقدير لذاته وإن لم يكن ذلك ممكنا تجده تلقائيا يتحول إلى الهجوم على ذلك الشيء أو الشخص الذي لم يستطع الانتفاع منه أو تراه يسارع إلى المقارنات الهجومية التي تكون رسالتها الضمنية دوما: انظروا إلى عظمتي وجمال شخصيتي وبديع صنعي مقارنة بأولئك الرعاع الحمقى…أرجوكم قد آن الأوان لتنزلوني منزلتي وتقدروني حق قدري مقارنة بأولئك الأوباش الجهلة وحتى إن لم يستطع صاحبنا المتمحور حول ذاته أن يصنع تلك المقارنات المتكلفة فإنه يحرص في المقابل على البقاء في دائرة الضوء من خلال (حشر) ذاته و(دسّ) بطولاته وذكر مميزاته بمناسبة أو بدون مناسبة لابد أن تكون ذاته المتضخمة و(الأنا) المتعاظمة حاضرة بقوة في كل مقام ومقال والحقيقة أن ثمة #فارق كبير بين حديثك عن خبرةٍ حياتية وتجربة شخصية مفيدة مررت بها فترويها لينتفع بها الناس، أو رأيٍ تراه حقا ينبغي الصدع به وبيانه، أو موقفٍ تود إظهاره وإثباته، وبين تمحور كل حديثك حول مركز واحد تطوف به كل إيحاءاتك وتعود عليه كل لفتاتك وتشير إليه كل إيماءاتك أنت.. أنت أنت ولا شيء غيرك تلك الذات التي تبهرك وتشعر أن واجب الخلق الرئيسي أن ينبهروا بها مثلك وأن يقفوا إلى جوارك مشدوهين أمام روعتها الفائقة وعبقريتها الفذة ولم تسأل نفسك قط أيها المتمحور حول ذاتك ما الذي يجعلك تعتقد أنه يعنيني كثيرا أن أعرف عاداتك في الطعام والشراب أو عدد ساعات النوم التي نمتها الأسبوع الماضي؟ ما الذي يدعوك لتظن أن طبيعة الوجبة التي تناولتها ليلة أمس تشغلني وما الذي يصور لك أن تلك المواقف الشخصية التي لازلت تضحك منها إلى اليوم ستضحكني؟ ما الذي رسخ في ذهنك وألقى في روعك أن الخلق بحاجة ماسّة ليعرفوا تفاصيل حياتك الخاصة وينتبهوا إلى خصائص ذاتك الفريدة؟ يا عزيزي هون على نفسك.. دع أعمالك تتحدث عنك بدلا من قلمك ولسانك وليكن نفعك المتعدي عنوانا عليك واعقلها عني يا عزيزي… إن الكون لا يدور حولك ولا حولي…

 محمد علي يوسف 

رابط المادة: http://iswy.co/e15h0q

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مأزق التمركز حول الذات

إن حالة مركزية الذات Ego centrism في حقل الدراسات النفسية يُقصد بها الحالة التي يكون فيها الفرد مستغرقًا في عالمه الداخلي الخاص، منشغلًا بذاته، مبالغًا في تقدير أهميتها للدرجة التي يتصور فيها- واهماً- أنه مركز الأسرة والعالم المحيط به، وأن كل مَن حوله من بشر قد وجدوا من أجل خدمته وتلبية رغباته، وأن آراءه واهتماماته هي الأكثر صدقًا وأهمية من آراء واهتمامات الآخرين. ويرى عالم النفس السويسري الشهير "جان بياجيه" أن حالة مركزية الذات هي في الأساس الحالة الطبيعية للأطفال تحت 6 سنوات، ولهذا فمع النمو المعرفي والوظيفي في المرحلة العمرية من 7- 12 سنة تقل لدى الطفل نزعة مركزية الذات ويبدأ في استيعاب وجهات نظر الآخرين، والحوار معهم، ويصبح الطفل قادرًا على التحصيل المعرفي على نحو أكثر انفتاحًا ومرونة. وعلى الرغم من أن غالبية الأبحاث التي أجريت على موضوع "مركزية الذات" تركز في المقام الأول على التطور النفسي والمعرفي في مرحلة الطفولة، فبعض الدراسات الأخرى أثبتت امتدادها أحيانا إلى مرحلة المراهقة المتأخرة ومرحلة البلوغ أيضًا؛ حيث يرى عالم النفس "ديفيد...

التمحور حول الذات

الأنانية هي اهتمام الإنسان بنفسه بشكل مفرط وكلي وبحثه وتركيزه على مصلحته الخاصة ومسراته وثرائه دون اعتبار للآخرين. يخلق هذا الكائن البشري الذي نطلق عليه تسمية الإنسان خير بالفطرة ولكنه سرعان ما نجده يكوِّن سلوكاً مرضياً ويبدأ بحصر نشاطاته وتفكيره بذاته وتدفعه غريزة التملك إلى الاهتمام بنفسه وذاته فقط ويسعى بكل جهده للوصول إلى تحقيق رغباته الذاتية بطرق مختلفة لا يقبلها العقل ولا المنطق ولا ما يمكن أن نسميه التكافل الاجتماعي هذا الإنسان الذي يحب ذاته لا يرى إلا نفسه ولا يهمه مصلحة الآخرين لا بقليل ولا بكثير. ولنكن موضوعين فنقول لا مانع للإنسان أن يحرص على نفسه وأن يحقق ذاته ولكن عليه أن يعفل ذلك ضمن حدود الوسطية التي تعطيه وتعطي الآخرين، تحقق مصلحته ومصلحة الآخرين وبشكل متوازن دون إفراط أو غلو أو حرمان الآخرين من حقهم في السهر على مصلحتهم، وبمعنى آخر أن يكون هناك مشاركة بين جميع أفراد المجتمع من حيث تبادل المنافع حتى تتحقق السعادة في المجتمع. ربما لا نبالغ إذا قلنا إن الأنانية تعمل عمل الطاعون في المجتمع وإذا بحثنا في المجتمعات عن سبب تقدمها أو تأخرها نجد أنه كلما وجد تفاعل بين أفراد ال...

مرض عبادة الذات

عبادة الذات أو الدوران حول الذات مرض, والمصاب به تجده لا يحب الثقافة و العلم إلا لمصلحة تتعلق بذاته, فلا يستطيع أن يهتم بموضوع خارج ذاته بالكلية وإذا تكلمت بموضوع خارج ذاته سيحاول أن يسحبه شيئا فشيئا إلى ذاته, لذلك كل شيء يحدث يراه من خلال ذاته, والأشياء مهمة وتافهة وقريبة وبعيدة تبعا لقربها وقيمتها عند ذاته, فالأشياء عنده لا قيمة لها بذاتها, فحتى أحلامه في المنام يفسرها على أنها شيء سيحدث له في مستقبل ذاته. الشعور الإنساني يريد أن ينطلق ويرى الحياة بينما الأنانية تربط كل شيء بالذات وهي التي تنتج ضيق الأفق وصعوبات التكيف والغيرة و الحسد. لا يستطيع الأناني أو الأنانية أن يفكرا بطريقة حرة, و لن يستطيع إلا أحد سلم نفسه لله, هو من يستطيع أن يكون حرا من سيطرة ذاته و أنانيته على أفكاره وتقييماته. طبعا لابد للإنسان أن يهتم بذاته لكن المشكلة في سيطرتها على النظرة للحق والباطل عند الإنسان, عبادة الذات تجعل الحق ما ينفعنا والباطل هو ما يضرنا فقط وهذا ليس بالشرط هو الحق والباطل.  عبادة الذات تضيق إطار الحياة فلا يستطيع المصاب به أن يتذوق الجمال ويستمتع بالحياة, و إذا وصفها ب...