التخطي إلى المحتوى الرئيسي

التمركز حول الذات ؛ سيكولوجية تدهور الذات و العلاقات الانسانية (من وجهة نظر رايس)




تعد العلاقات الانسانية القائمة على الحب و الوفاء و الأخلاص و التضحية و الأعتراف المتبادل مــــــن اجمل العلاقات والروابط البشريــــة الجميلة التي تنشأ بين افراد الجنس البشري ، سواء كانت هذه العلاقات بين الاباء والابناء ، او بيـــن الزوج و الزوجه ، او بين المسؤول ورعيته ، او بين الحبيب و محبوبته ، ولكن من المؤسف أحياناً في أن تتحــــول بعض هذه العلاقات الانسانية الى علاقات تمركز حول الذات ، و أن تتحـــــول هذه الروابط المشتركة الى علاقـات كارثية ، و الى مجرد احاسيس ومشاعر باردة يسودها الفتور والخمول . 
و يعرف علماءالنفس والصحة النفسية التمركز حول الذات hugging - Self بأنه ميل الفرد الى الاهتمام بذاته في المقابل اهماله وعدم اهتمامه بالآخر ، كما عرف بأنه الانشغال بالاهتمامات الذاتية الى الحد الذي يصبح معه الفرد غير حساس بمشاعر وحقوق الآخرين في الوقت الذي يحتاجون الآخرون اليه . أذ أن التمركز حول الذات احد الاضطرابات السلوكية او الاضطرابات الاتصالية التي تنشأ بسبب حب الذات دون اعتبار بحاجات الآخرين ، يكتسبه الفرد من بيئته الاجتماعية ، ويتعلمه من المحيط ، وكثيراً ما يفشل الفرد بسبب هذا التمركز من أن يكون اية علاقة انسانية صادقة ما عدى العلاقات المصطنعة .
أن التمركز حول الذات كما يراه علماء النفس و منهم (رايس) عاملاً مسمماً للحياة المشتركة بين حياة الفرد و حياة الآخرين ، من خلال ما قدمه من ثلاث مظاهر تبدأ اولاً :بسوء الفهم حيث ينشأ التشوش و سوء الفهم ، الارتباط في العلاقات بين الفرد المتمركز وبين الآخرين لان الشخص المتمركز حول ذاته لا يستطيع الاقتناع بأن الآخرين يتصرفون بطريقة مختلفة عنه بالفعل . 
ثانياً : وهم الذات اذ يعتقد الفرد بانه هو نفسه من يمتلك افضل واعقل وانبل الدوافع و القيم ، وهي دوافع وقيم ذاتية صالحة للأخرين و عليهم أن يتبنوها و يعملوا بها حسب وجهة نظر الفرد المتمركز، و لكنها في الحقيقة غير صالحة للآخرين .

اما الظاهرة الثالثة : وهي استبداد القيم التي تتمثل بالمحاولة ( الدائمة - الخبيثة ) باقنـــاع الآخرين بالحاح من خلال دفعهم للتخلي عن منظور حياتهـم الخاصة بهم واستبداله بمنظوره وقيمه هو ( للمتمركز ) .

و هذه المظاهر التي تتمثل في التمركز ستقود عاجلاً او آجلاً الى تحطيم اي علاقة تربطه المتمركز حول ذاته بالأخرين، لأن سوء الفهم التواصلي الناجم عن التمركز حول الذات هو سوء فهم تبادلي . اذ يعب على طرفي العلاقة التي يكون احدهما متمركزاً حول ذاته في عدم القدرة على فهم نمط شخصية الآخر ، الامر الذي يقود الى تعثر العلاقة بينهما ، وما تكون النتائج في هذه العلاقة للتمركز حول ذاته سوى نتائج كارثية . اما علاج هذه الظاهرة المرضية فلا يتم الا من خلال ما سماه فروم (بالحب المثمر) أي عن طريق الرعاية والمسؤولية والاحترام والمعرفة بمن نحب والعمل على تلبية حاجات ومتطلبات الاخرين ونزع كافة مظاهر التوجه المادي والانانية والشك والاستغلال ، من أجل خلق ضوابط و روابط سلوكية جديدة تعزيز الاتصالات الانسانية.


علي عبد الرحيم صالح

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التمحور حول الذات

الأنانية هي اهتمام الإنسان بنفسه بشكل مفرط وكلي وبحثه وتركيزه على مصلحته الخاصة ومسراته وثرائه دون اعتبار للآخرين. يخلق هذا الكائن البشري الذي نطلق عليه تسمية الإنسان خير بالفطرة ولكنه سرعان ما نجده يكوِّن سلوكاً مرضياً ويبدأ بحصر نشاطاته وتفكيره بذاته وتدفعه غريزة التملك إلى الاهتمام بنفسه وذاته فقط ويسعى بكل جهده للوصول إلى تحقيق رغباته الذاتية بطرق مختلفة لا يقبلها العقل ولا المنطق ولا ما يمكن أن نسميه التكافل الاجتماعي هذا الإنسان الذي يحب ذاته لا يرى إلا نفسه ولا يهمه مصلحة الآخرين لا بقليل ولا بكثير. ولنكن موضوعين فنقول لا مانع للإنسان أن يحرص على نفسه وأن يحقق ذاته ولكن عليه أن يعفل ذلك ضمن حدود الوسطية التي تعطيه وتعطي الآخرين، تحقق مصلحته ومصلحة الآخرين وبشكل متوازن دون إفراط أو غلو أو حرمان الآخرين من حقهم في السهر على مصلحتهم، وبمعنى آخر أن يكون هناك مشاركة بين جميع أفراد المجتمع من حيث تبادل المنافع حتى تتحقق السعادة في المجتمع. ربما لا نبالغ إذا قلنا إن الأنانية تعمل عمل الطاعون في المجتمع وإذا بحثنا في المجتمعات عن سبب تقدمها أو تأخرها نجد أنه كلما وجد تفاعل بين أفراد ال

قراءة في فكر إدجار موران

هذا المقال هو دراسة حول توظيف مفهوم تربية المستقبل عند إدجار موران في منهج التربية الإسلامية تمهيد يُعد إدجار موران من أبرز المفكرين الذين اهتموا بدراسة التحديات التي تواجه التربية اليوم، ولقد عالج ذلك في كتابه تربية المستقبل، وذلك إثر تكليف من اليونسكو. وقد عد سبع مثالب تواجهها التربية حاليًا ومستقبلا. وفيما يلي نستعرض خمسا من سمات تربية المستقبل: تنقية المعرفة، وإصلاح طرق التفكير، وتعليم الشرط الإنساني، وتعليم الهوية الأرضية، وتعليم الفهم الإنساني. 1- تنقية المعرفة إن السمة الأولى من سمات تربية المستقبل هي التأكيد على أن المعرفة ليست يقينية. فالمعرفة ليست منزهة عن الخطأ، فلم يستطع الإنسان يوماً ما الوقوف على قمة مستوى اليقين في المعرفة، وذلك لأنه بطبيعته البشرية يخطئ ويصيب، ولأن عقله لم يعط قدرة مطلقة للمعرفة، إضافة لعدم قدرة عقل الإنسان على الوصول لهذا المستوى من اليقين، فإنه لم يُعط القدرة على الإحاطة بالمعارف على مدار الزمان والمكان. ولقد سبق لماركس وانجلز أن وضحا، في الأيديولوجيةالألمانية، كيف أن البشر شيدوا على الدوام تصورات خاطئة حول أنفسهم وح

مرض عبادة الذات

عبادة الذات أو الدوران حول الذات مرض, والمصاب به تجده لا يحب الثقافة و العلم إلا لمصلحة تتعلق بذاته, فلا يستطيع أن يهتم بموضوع خارج ذاته بالكلية وإذا تكلمت بموضوع خارج ذاته سيحاول أن يسحبه شيئا فشيئا إلى ذاته, لذلك كل شيء يحدث يراه من خلال ذاته, والأشياء مهمة وتافهة وقريبة وبعيدة تبعا لقربها وقيمتها عند ذاته, فالأشياء عنده لا قيمة لها بذاتها, فحتى أحلامه في المنام يفسرها على أنها شيء سيحدث له في مستقبل ذاته. الشعور الإنساني يريد أن ينطلق ويرى الحياة بينما الأنانية تربط كل شيء بالذات وهي التي تنتج ضيق الأفق وصعوبات التكيف والغيرة و الحسد. لا يستطيع الأناني أو الأنانية أن يفكرا بطريقة حرة, و لن يستطيع إلا أحد سلم نفسه لله, هو من يستطيع أن يكون حرا من سيطرة ذاته و أنانيته على أفكاره وتقييماته. طبعا لابد للإنسان أن يهتم بذاته لكن المشكلة في سيطرتها على النظرة للحق والباطل عند الإنسان, عبادة الذات تجعل الحق ما ينفعنا والباطل هو ما يضرنا فقط وهذا ليس بالشرط هو الحق والباطل.  عبادة الذات تضيق إطار الحياة فلا يستطيع المصاب به أن يتذوق الجمال ويستمتع بالحياة, و إذا وصفها بالتع