التخطي إلى المحتوى الرئيسي

التمحور حول الذات.. نرجسية طاغية


الراصد لسلوكياتنا الاجتماعية يلحظ دون عناء أن هناك من الناس من يرى نفسه محور الكون أو ما يمكن أن يطلق عليه صفة النرجسية.

والواقع أنه ليس ثمة شخص يخلو تماماً من صفة النرجسية لأنها في درجة من درجاتها ضرورة حياة لكن المشكلة أن تتزايد مشاعر النرجسية لدى الفرد بحيث يعتبر كل شخص آخر وكل ما له صلة به هو ماله وجود حقيقي وما عدا ذلك لا شيء بعبارة أخرى يقيم الشخص النرجسي كل شيء من وجهة نظره الذاتية الصرفة ولا يستطيع أن يطبق أحكامه الخلقية الصارمة على نفسه انما يطبقها فقط على الآخرين حيث يفتقد النظرة الموضوعية إلى ذاته لأنه لا يشعر بالأمان إلا في ثنايا شعوره بأنه كامل وبأنه مطلق وبأنه متميز على الآخرين إذ يمتلك صفات استثنائية وكأنه ظاهرة طبيعية خاصة، وهذا التصور الزائف عن النفس يجعل صاحبه لا يطيق أن ينقده أحد لأنه في هذه الحالة يراه مخلوقاً عادياً، وإن لم يجد من يمتدحه مدح نفسه أمام الآخرين وكرر أمجاده الوهمية التي قام بها، والرغبة في المديح المستمر تخلق من حول النرجسي جماعة المنافقين إذا كان في مركز أو سلطة حتى إذا زال عنه هذا المركز انفضوا من حوله وقبع يجتر ذكرياته وأفضاله على الناس وانتابه الشعور بالاضطهاد من جحود الآخرين ونكرانهم.

والخطورة كل الخطورة أن تستشري النرجسية في المجتمع أو في قطاعات منه هذه الحالة ليس الموضوع هو الفرد ولكن الجماعة التي ينتمي إليها، هناك التأكيد على موضوعات مثل (وطني - أمتي - قبيلتي - جماعتي... إلخ) وهي الموضوعات التي تمثل المحور الذي تتجمع حوله الجماعة وينال التعظيم بطريقة التفكير الأحادي المتعصب، ولا يبدو هذا التعظيم نوعاً من الجنون لكنه يبدو شيئاً حقيقياً وصادقاً وعقلانياً، لأن الحقيقة والصدق والعقلانية شيء مستمد من الجماعة وتزيد النرجسية الجماعة من تماسكها وانسجامها وتجعل الضبط في داخلها أيسر وهي تشبع كذلك أعضاء الجماعة خاصة بالنسبة لأولئك الضائعين في الحياة الذين يفتقدون الشعور بأن لهم قيمة في نظر الآخرين ويجدون تعويضهم في أنهم أصبحوا أعضاء في أعظم وأرفع وأنقى الجماعات التي تعمل من أجل الحق المطلق، ولا عجب إذن أن تصاب بعض الجماعات بالبارانويا (أي جنون العظمة) حين تتوافر الظروف المواتية لذلك من شعور بالدونية والاضطهاد من قبل الآخرين بقابلة تضخم في المزايا والأمجاد الذاتية.

والتعصب بحكم أنه ادعاء بالأفضلية المطلقة في كل شيء فإنه صورة من صور التمحور حول الذات لأنه اعتقاد باطل بأن المرء يحتكر لنفسه الحقيقة أو الأفضلية وبأن غيره يفتقر إليها ومن ثم فهم دائماً مخطئون.. إنه التفكير بأفعل التفضيل (أعظم، أكبر، أحسن، إلخ) مما يعني أن الواحد يمتلك الحق والحقيقة وحده وأن رؤيته للأمور كلها هي وحدها الرؤية الصحيحة وفيما عدا ذلك ضلال وخطأ، والتعصب في هذه الحالة يؤدي إلى توجه التفكير في مجرى واحد لا بديل له ويقوم على قاعدة افتقاد الأمان من يخاف المناقشة والتفكير هو في الحقيقة خائف من أن يعتريه الشك فيما يعتقد فيه ولهذا يحيط آراءه بأكبر قدر ممكن من آليات الدفاع (تعظيم آرائه وتسفيه أو حتى الغاء آراء الآخرين) والتعصب بهذا بمثابة القفل الذي يغلق كل مبررات التفكير العقلاني في كافة المجالات.

إن الفردية المتطرفة شيء كريه لأن أساس الحياة الاجتماع والجماعة فصلاة الجماعة مفضلة على صلاة الفرد، وصلاة الجمعة لها معان سامية تشتق من اسمها، والآيات والأحاديث كثيرة تحث على الجماعة كقيمة أعلى من قيمة الفردية لأن أصل الحياة التعاون بين الناس.

من هنا فإن التعصب بصوره المختلفة رذيلة علينا أن نحذر منها في أنفسنا وفي الآخرين، علينا ألا ننظر إلى أنفسنا على أننا أفضل من غيرنا وأن غيرنا دوننا ويذكرنا القرآن الكريم بتلك الحقيقة في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن) (الحجرات 11).

وهذا وغيره ينبه المعلم سواء في مراحل التعليم العام أو الجامعة إلى ضرورة الاهتمام بالاستراتيجيات التدريسية التي تقف ضد الأنانية والفردية، ومن ثم يجدر بالمعلم أن يشجع العمل التعاوني في الفصل وخارجه وأن ينمي في طلابه حب المناقشة وتبادل الرأي والترحيب بالنقد من جانب الاخرين وحسن الاستماع واحترام الرأي المخالف، فلا يعرف نفسه حقيقة، إلا من يرى نفسه في أعين الآخرين ومن لا يكون تصوره عن ذاته من خلال أعماله وإنجازاته وتقدير الآخرين لها فسوف يعيش بتصور زائف عن نفسه، ويتقوقع حول نفسه ويمجد ذاته فيقع في حبائل النرجسية لأنه لا يجد من يقدره فيصاب بالشلل العقلي التام مما يحول دون فهم حقيقة نفسه وحقيقة هذا الآخر.


تعليقاً على رأي الأخ سلطان القرني. نعم معظم الشعب السعودي عنده هذه الفوقية بأنه سعودي غني بماله (لا غني الا الله عز وجل) وأن كل الرعايا العرب يجب أو تخدمه لأنه أفضل وأغنى الخ..
المشكلة برايي أن بعض الناس يراؤون صاحب المال للحصول على مقابل ألا وهو المال. وبالتالي فإن الشخص الغني سواء كان سعوديا أو غير سعودي, يعتبر نفسه محور الكون من جراء الاطراء والتزلف ممن حوله ومع الوقت يصدق نفسه بأنه هو الأغنى والأفهم والأرقى و و و و. أما الآخر فهو درجة ثانية او رابعة حتى في قاموسه.
لذلك فأنا أعتقد بأن النرجسي أولا: انسان عنده عقده منذ صغره( ربما يكون فقيرا او مهمشا من عائلته أو يتيماً الخ..)
ثانيا: أعتقد بأن قوة أو عمق العقده عند النرجسي, قسوته على نفسه للوصول الى مكتنة في المجتمع سواء مادية أو علمية أو أكاديمية لإثبات ذاته وتفوقه مما يجعل الآخرين يتقربون منه ليس حبأ بل طمعاً بما يملكه سواء من مركز مهم أو مال. وهو في داخله يعي تماما بأن من حوله ليسوا صادقين لكنه يقنع نفسه بذلك ومع الوقت ينسى السبب ويتمسك بالواقع ألا وهو أعتقاده بأن احترام الآخرين حقيقى لأنه هو انسان مميز.
ثالثا: المجتمع له دور كبير في تصديق النرجسي لنفسه والدليل على ذلك أنه عندما يصبح بلا مركز أو مال.. لا يجد أحداً بقربه مما يجعله يبدأ من جديد لكن في مجتمع آخر لا يعرفه فيه أحد. على فكرة النرجسي انسان عنيد جدا لآنه يعتقد بانه هو الوحيد الذي بفهم والباقي ؟؟ لا حول ولا قوة الا بالله.



طيب ايش رأيك في اللي كتب بجريدة الرياض العدد (14276) يوم الخميس 12 رجب 1428ه ما يلي :
( أنني " إننا " أكيد الشعب الوحيد الذي ينظر إلينا العالم بأسره و يتمنى أن يكون واحداً منا )
و يقو ل أيضاً ( يكفى أن أقول فقط ( أنا سعودي ) ليقف العالم احتراماً لي ).
ثم يستطرد ( نعشق أن ننظر للدنيا بفوقية )
و بعد ( نحترم الآخر و نجنبه " الدونية " )
الخ.
ما رأي القارئ ؟ هل هذا يعبر عنا كسعوديين؟



هذه من الأدعية المأثورة و المختارة لرسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم 
تسليما كثيرا:
( اللهم أغنني بالعلم، وزيني بالحلم، وأكرمني بالتقوى، وجملني بالعافية)

(اللهم اجعلني شكورا، واجعلني صبورا، و اجعلني في عيني صغيرا، و في أعين الناس كبيرا) اللهم امين

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التمحور حول الذات

الأنانية هي اهتمام الإنسان بنفسه بشكل مفرط وكلي وبحثه وتركيزه على مصلحته الخاصة ومسراته وثرائه دون اعتبار للآخرين. يخلق هذا الكائن البشري الذي نطلق عليه تسمية الإنسان خير بالفطرة ولكنه سرعان ما نجده يكوِّن سلوكاً مرضياً ويبدأ بحصر نشاطاته وتفكيره بذاته وتدفعه غريزة التملك إلى الاهتمام بنفسه وذاته فقط ويسعى بكل جهده للوصول إلى تحقيق رغباته الذاتية بطرق مختلفة لا يقبلها العقل ولا المنطق ولا ما يمكن أن نسميه التكافل الاجتماعي هذا الإنسان الذي يحب ذاته لا يرى إلا نفسه ولا يهمه مصلحة الآخرين لا بقليل ولا بكثير. ولنكن موضوعين فنقول لا مانع للإنسان أن يحرص على نفسه وأن يحقق ذاته ولكن عليه أن يعفل ذلك ضمن حدود الوسطية التي تعطيه وتعطي الآخرين، تحقق مصلحته ومصلحة الآخرين وبشكل متوازن دون إفراط أو غلو أو حرمان الآخرين من حقهم في السهر على مصلحتهم، وبمعنى آخر أن يكون هناك مشاركة بين جميع أفراد المجتمع من حيث تبادل المنافع حتى تتحقق السعادة في المجتمع. ربما لا نبالغ إذا قلنا إن الأنانية تعمل عمل الطاعون في المجتمع وإذا بحثنا في المجتمعات عن سبب تقدمها أو تأخرها نجد أنه كلما وجد تفاعل بين أفراد ال

قراءة في فكر إدجار موران

هذا المقال هو دراسة حول توظيف مفهوم تربية المستقبل عند إدجار موران في منهج التربية الإسلامية تمهيد يُعد إدجار موران من أبرز المفكرين الذين اهتموا بدراسة التحديات التي تواجه التربية اليوم، ولقد عالج ذلك في كتابه تربية المستقبل، وذلك إثر تكليف من اليونسكو. وقد عد سبع مثالب تواجهها التربية حاليًا ومستقبلا. وفيما يلي نستعرض خمسا من سمات تربية المستقبل: تنقية المعرفة، وإصلاح طرق التفكير، وتعليم الشرط الإنساني، وتعليم الهوية الأرضية، وتعليم الفهم الإنساني. 1- تنقية المعرفة إن السمة الأولى من سمات تربية المستقبل هي التأكيد على أن المعرفة ليست يقينية. فالمعرفة ليست منزهة عن الخطأ، فلم يستطع الإنسان يوماً ما الوقوف على قمة مستوى اليقين في المعرفة، وذلك لأنه بطبيعته البشرية يخطئ ويصيب، ولأن عقله لم يعط قدرة مطلقة للمعرفة، إضافة لعدم قدرة عقل الإنسان على الوصول لهذا المستوى من اليقين، فإنه لم يُعط القدرة على الإحاطة بالمعارف على مدار الزمان والمكان. ولقد سبق لماركس وانجلز أن وضحا، في الأيديولوجيةالألمانية، كيف أن البشر شيدوا على الدوام تصورات خاطئة حول أنفسهم وح

مرض عبادة الذات

عبادة الذات أو الدوران حول الذات مرض, والمصاب به تجده لا يحب الثقافة و العلم إلا لمصلحة تتعلق بذاته, فلا يستطيع أن يهتم بموضوع خارج ذاته بالكلية وإذا تكلمت بموضوع خارج ذاته سيحاول أن يسحبه شيئا فشيئا إلى ذاته, لذلك كل شيء يحدث يراه من خلال ذاته, والأشياء مهمة وتافهة وقريبة وبعيدة تبعا لقربها وقيمتها عند ذاته, فالأشياء عنده لا قيمة لها بذاتها, فحتى أحلامه في المنام يفسرها على أنها شيء سيحدث له في مستقبل ذاته. الشعور الإنساني يريد أن ينطلق ويرى الحياة بينما الأنانية تربط كل شيء بالذات وهي التي تنتج ضيق الأفق وصعوبات التكيف والغيرة و الحسد. لا يستطيع الأناني أو الأنانية أن يفكرا بطريقة حرة, و لن يستطيع إلا أحد سلم نفسه لله, هو من يستطيع أن يكون حرا من سيطرة ذاته و أنانيته على أفكاره وتقييماته. طبعا لابد للإنسان أن يهتم بذاته لكن المشكلة في سيطرتها على النظرة للحق والباطل عند الإنسان, عبادة الذات تجعل الحق ما ينفعنا والباطل هو ما يضرنا فقط وهذا ليس بالشرط هو الحق والباطل.  عبادة الذات تضيق إطار الحياة فلا يستطيع المصاب به أن يتذوق الجمال ويستمتع بالحياة, و إذا وصفها بالتع