الخميس، 16 مايو 2019

التمحور حول الذات





الأنانية هي اهتمام الإنسان بنفسه بشكل مفرط وكلي وبحثه وتركيزه على مصلحته الخاصة ومسراته وثرائه دون اعتبار للآخرين.

يخلق هذا الكائن البشري الذي نطلق عليه تسمية الإنسان خير بالفطرة ولكنه سرعان ما نجده يكوِّن سلوكاً مرضياً ويبدأ بحصر نشاطاته وتفكيره بذاته وتدفعه غريزة التملك إلى الاهتمام بنفسه وذاته فقط ويسعى بكل جهده للوصول إلى تحقيق رغباته الذاتية بطرق مختلفة لا يقبلها العقل ولا المنطق ولا ما يمكن أن نسميه التكافل الاجتماعي هذا الإنسان الذي يحب ذاته لا يرى إلا نفسه ولا يهمه مصلحة الآخرين لا بقليل ولا بكثير.

ولنكن موضوعين فنقول لا مانع للإنسان أن يحرص على نفسه وأن يحقق ذاته ولكن عليه أن يعفل ذلك ضمن حدود الوسطية التي تعطيه وتعطي الآخرين، تحقق مصلحته ومصلحة الآخرين وبشكل متوازن دون إفراط أو غلو أو حرمان الآخرين من حقهم في السهر على مصلحتهم، وبمعنى آخر أن يكون هناك مشاركة بين جميع أفراد المجتمع من حيث تبادل المنافع حتى تتحقق السعادة في المجتمع.

ربما لا نبالغ إذا قلنا إن الأنانية تعمل عمل الطاعون في المجتمع وإذا بحثنا في المجتمعات عن سبب تقدمها أو تأخرها نجد أنه كلما وجد تفاعل بين أفراد المجتمع كان ذلك المجتمع متقدماً والعكس صحيح.

هنا أن موضوع الأنانية موضوع قديم حديث فقد ناقشت هذا الموضوع جميع الحضارات، ناقشه الفلاسفة وعلماء الاجتماع واتفقت الآراء جميعها على إدانة الأنانية واعتبارها أمراً مكروهاً ورذيلة يجب الابتعاد عنها لأن من يتصف بالأنانية لا يرى إلا نفسه وكأن الآخرين لا وجود ولا حقوق لهم وهذا عين الخطأ الذي يترك آثاراً سيئة على العلاقات الاجتماعية.

هناك أسطورة صينية ذات مغزى عميق تتضمن درساً أخلاقياً لمعالجة هذا المرض الخبيث. تروي الأسطورة أن الموت قد اختطف روح الابن فحزنت الأم حزناً شديداً لموت ولدها ولكنها لم تيأس وقررت أن تعيد ابنها إلى الحياة فذهبت إلى حكيم القرية وطلبت منه أن يخبرها الوصفة الضرورية لاستعادة ابنها إلى الحياة مهما كانت أو صعبت تلك الوصفة.

أخذ الشيخ الحكيم نفساً عميقاً وشرد بذهنه ثم قال: أنت تطلبين وصفة، حسناً، أحضري لي حبة خردل واحدة بشرط أن تكون من بيت لم يعرف الحزن مطلقاً. بكل همة ونشاط، أخذت السيدة تدور على بيوت القرية كلها وتبحث عن هدفها، حبة خردل من بيت لم يعرف الحزن مطلقاً.

طرقت السيدة باباً ففتحت لها امرأة شابة فسألتها السيدة هل عرف هذا البيت حزناً من قبل؟ ابتسمت المرأة في مرارة وأجابت هل عرف بيتي هذا إلا الحزن؟ وأخذت تروي لها أن زوجها توفي منذ سنة وترك لها أربعة أولاد وهي تقوم برعايتهم ولم يبق لديها شيء سوى بيع أثاث المنزل الذي لم يبق منه إلا القليل.

تأثرت السيدة جداً وحاولت أن تخفف عنها أحزانها وبنهاية الزيارة صارتا صديقتين لدرجة أن الشابة لم تُرد أن تدعها إلا بعد أن وعدتها بزيارة أخرى، وقد مضى وقت طويل دون أن تتمكن من فتح قلبها لأحد وتشتكي له همومها.

وقبل الغروب دخلت السيدة بيتاً آخر ولها نفس المطلب ولكن الإحباط سرعان ما أصابها عندما علمت من سيدة البيت أن زوجها مريض وليس عندها طعام كافٍ لأولادها ولا يوجد معها نقود تشتري لزوجها الدواء فذهبت السيدة إلى السوق واشترت طعاماً ودواء وعادت على سيدة البيت وعاونتها في طبخ الطعام وأعطتها الدواء لزوجها ثم ودعتها على أمل زيارتها ثانية.

أخذت السيدة تطوف من بيت إلى البيت وطال بحثها لكنها للأسف لم تجد ذلك البيت الذي لم يعرف الحزن مطلقاً لتأخذ حبة الخردل منه ولأنها كانت طيبة القلب فقد كانت تحاول أن تساعد كل بيت تدخله في حل مشاكله وأفراحه وبمرور الأيام أصبحت السيدة صديقة لكل بيت في القرية.

نسيت تماماً أنها كانت تبحث عن حبة خردل من بيت لم يعرف الحزن مطلقاً وقد ذابت في مشاكل ومشاعر الآخرين ولم تدرك قط أن حكيم القرية قد منحها أفضل وصفة للقضاء على الحزن وتلك الوصفة هي أن يتنازل الإنسان عن حبه لذاته ويشارك الآخرين في أفراحهم وأحزانهم.

وبهذه المناسبة يروي التاريخ أن الإسكندر الأكبر طلب من أمه أن لا تقبل العزاء من أحد لديه مشكلة إذا مات. ولدهشة أم الإسكندر عندما مات ابنها لم يأت أحد ليعزيها. وعندها علمت الحكمة من طلب ولدها.

مي عبدالعزيز عبدالله السديري 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق